إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search

الاستاذ محمود في الذكرى الثالثة والعشرين
محاولة للتعريف باساسيات دعوته (٤)

خالد الحاج عبد المحمود


الإسلام كنظرية نقدية

الإسلام كنظرية نقدية
نقد الواقع


نهاية الحرب:


لقد خدمت الحرب الحضارة البشرية، خدمة جليلة، ما كان يمكن أن تتم من دونها.. أما اليوم فقد استنفدت الحرب حكمة دخولها في حياة البشر، وفارق فيها الرضا الإرادة، وأصبحت عاجزة عن أن تقدم اي شيء ايجابي للبشر.. وقصارى ما يمكن أن تؤديه، هو أن تقود المتحاربين الى طاولة المفاوضات.. وهذا امر يمكن أن يصلوا إليه دون الحرب.. ولكن حتى الآن، لم يتم فهم هذه الحقيقة، رغم وضوحها، ورغم أنها ظهرت منذ وقت طويل.. فهي قد ظهرت منذ الحرب العالمية الثانية!! يقول الأستاذ محمود: "هنالك اعتبارات جدت في تجارب البشرية جعلت الحرب غير ذات موضوع، ذلك بأنه قد ظهر جليا أنها لا تحل مشكلة، في عالم اليوم وانما تعقد المشاكل. ودلت تجربة بريطانيا أن من يكسب الحرب قد يخسر السلام فكأنه حارب لغير هدف".. وقد عبرعن هذا الوضع، عالم الاستراتيجية، الميجر فللر FULLER ، عندما اختار لحديثه عن الحرب العالمية الثانية، عنوان (الهزيمة عبر النصر) وقد كان ونستون شرشل يرى ان هذا التحول قد بدأ منذ الحرب العالمية الأولى، فهو قد قال: "إن هذا الانتصار الغالي، والعزيز، الذي تحقق، لا يكاد يتميز عن الهزيمة"!! .. ومنذ ذلك التاريخ والى اليوم، لا تزال الحروب دائرة، ولا يزال فشلها في حل المشكلات مستمرا!! ومن أبرز المعالم: حرب فيتنام، وحروب الشرق الأوسط، وحروب السودان الداخلية..الخ.. وقد كان يعتقد أن أمريكا، قد استفادت من تجربة، فيتنام، إلا أنها عادت وكررت التجربة في العراق، ولم تختلف النتيجة كثيرا.. والقاعدة: كل تجربة، لا تورث حكمة، تعيد نفسها، بصورة من الصور، يقول تعالى: (أو لا يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة، أو مرتين، ثم لا يتوبون، ولا هم يذكرون!؟)
ولقد ادرك، هذا التحول الخطير، المؤرخ الكبير آرنولد توينبي، فأعلن نهاية، عهد (المنقذ بالسيف).. فاليوم، لا انقاذ إلا بالسلام.. ولكن عمليا، الحرب لن تبارح موقعها بصورة تامة، إلا بعد مجيء بديلها.. الحرب اصبحت الباطل الزاهق، والسلام هو صاحب الوقت الجديد، فهو الحق الذي باكتماله، يكتمل، باطل الحرب، فتزهق (جاء الحق، وزهق الباطل، إن الباطل كان زهوقا)..هذا أمر يفرضه الواقع، ولن يكون عدم الاستجابة له بلا ثمن!! أعتقد انه اصبح مفهوما، أننا عندما نتحدث، عن الواقع، أنما نتحدث عن الارادة الإلهية، فالواقع من حيث هو لا يفرض شيئا، ولكن الارادة الإلهية، من وراءه هي التي تفرض..ونحب أن نذكر هنا، بموضوع الفاعل المباشر والفاعل الحقيقي!! والله تعالى يسير الحياة اليه، من خلال قانون المعاوضة في الحقيقة، وقانون المعاوضة في الشريعة.. فمن لا يستجب لقانون المعاوضة في الشريعة، والذي يقوم على مخاطبة الفكر، يحتاج الى حديث النفس، بدلا عن حديث العقل، وحديث النفس يقوم على الألم.. فاللجوء للعنف والحرب في الوقت الحاضر، لا يؤدي إلا للمعاناة، والألم، ثم هو دون طائل، وسيكون الأمر كذلك، إلى أن يتم الفهم، واللجوء للعقل، وللغة الحوار والسلام.. فمن لم يسر الى الله بلطائف الاحسان (العقل) قيد اليه بسلاسل الامتحان.. فويلات الحرب غير المجدية، هي سلاسل الامتحان، التي تقود الى لطائف الاحسان.. فمن الخير للبشرية، جمعاء، ولكل فئة من فئات المجتمع البشري، اللجوء مباشرة الى اساليب الفكر، والحوار الفكري، واساليب السلام، لحل المشكلات، وإلا فإنهم سيعانون، أشد صنوف المعاناة، دون طائل، ثم لابد لهم من السلام، وقيم السلام.. فكما يقول تعالى، في الحديث القدسي، لسيدنا داؤود: "فإن لم تسلم لما اريد، أتعبتك فيما تريد، ثم لا يكون إلا ما اريد"!!