إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..
الأستاذ محمود في الذكرى الثانية والعشرين
محاولة للتعريف بأساسيات دعوته (٩)
خالد الحاج عبد المحمود
الأستاذ محمود محمد طه في الذكرى الثانية والعشرين
محاولة للتعريف بأساسيات دعوته
النص ودلالاته:
بحديثنا عن اللغة في المستوى الذي تحدثنا عنها فيه - مستوى الكلمة - إنما نمهد للحديث عن النص، وذلك تمهيدا للحديث عن النص الديني، في القرآن بالذات، وفي الحديث.. ولقد كثر في وقتنا الحالي، الحديث عن اشكالية النص، خصوصا في الخطاب الديني.. فالنص سلطة حقيقية وخطر حقيقي، عندما يستخدم استخداما خاطئا.
إن ما قلناه عن اللغة، ونحن نتحدث عن الكلمة، يلقي الضوء على النص، ويمهد لحديثنا عنه تمهيدا كبيرا.. فلما كان النص يصنع من الكلمات، فإن العلاقة بين النص وكلماته، تشكل البعد الأساسي، في التعامل مع النص.. ويبدو للوهلة الأولى أن معنى النص، هو مجموع معنى كلماته، ولذلك يتم فهمه بمجرد فهم كلماته.. ولكن حقيقة الأمر خلاف ذلك، فإن النص في جملته هو الذي يضفي على كلماته معانيها، فعلاقة النص بكلماته، علاقة تفاعل، وكما يقول د. مصطفى ناصف: ".. والحقيقة أن قراءة النص تنطوي على مرحلتين متعاكستين: في المرحلة الأولى القصيرة نخرج من بعض الكلمات الى بعض، حتى يؤذن لنا بالتعامل المبدئي، والزعم بأن النص دخل - بوجه عام - في حوزتنا. ولكن في التأمل الثاني الأعمق، نتبين انما صنعناه كان ضرورة أولى، لها ما للضرورات من عيب. لا بد لنا أن نمحو عملية الاستبدال بعض المحو على أقل تقدير. فالنص يؤول الى خدمة كلمة أو بضع كلمات. ولقد حان الوقت لكي نتبصر في اشكاليتها.. كل نص يحيل بعض الكلمات، على الأقل، الى تساؤل خصب مبارك. ومغزى ذلك أن النص يعيد تكوين الكلمات، واخضاعها لسلطان قوي غريب، ولكننا دأبنا على أن نتصور وحدات ينضم بعضها الى بعض".. وعن دور الثقافة، في تحديد دلالات النص يقول د. مصطفى ناصف: "النصوص ليست بينة بذاتها، إذ يتدخل أفق القارئ الفكري والثقافي في فهم لغة النص، ومن ثم انتاج دلالاته." .. وغنى النص يعتمد الى حد كبير، على قابليته لاعطاء دلالات جديدة، مما يجعله هو نفسه متجددا، رغم ثبات مبناه، ومتجاوزا للأحكام والقيود التي يفرضها الواقع التاريخي الذي ورد فيه، والنصوص متفاوته في ذلك تفاوتا كبيرا، ومعظمها، وبسبب من عدم مقدرتها على التحرك في الدلالة مع الزمن، واستيعاب الطاقات الجديدة، تندثر، ويلحقها الفناء الذي يلحق كل شئ.. وعبارات دكتور مصطفى ناصف عن النص العظيم، والتي جاء فيها قوله: "إن كل نص عظيم ليس صورة نفسية لفرد، ولا مرآة لعقلية شعب، ولا سجل لتاريخ عصر، وانما هو كتاب الانسانية المفتوح، ومنهلها المورود، وبعبارة أخرى، كل نص عظيم يتجافى عن المشارب والنزعات الانعكاسية الضيقة.. كل نص عظيم يتحدى الاطار التاريخي ويقاومه"!! إن هذه العبارات، بكاملها، لايمكن أن تنطبق على أي نص عظيم، سوى القرآن، فهو وحده الذي يملك أن يتحدى الاطار التاريخي، ويقاومه بصورة مطلقة، وذلك، لأنه في النهاية، تعبير عن (المطلق)، فهو كما قال عنه المعصوم: "لا يبلى على كثرة الرد، ولا تنقضي عجائبه"!! فالقرآن، بما هو خطاب من الله تعالى، في اطلاقه، متنزلا الى عبده، في أدنى مستوى ما يعطيه ظاهر اللغة العربية، يكون السير، في ادراك معانيه، سيرا سرمديا، لا انتهاء له.. فلا شئ يحد من معانيه، إلا استعداد أواني المتلقي.. وهذا، وجه من وجوه حكمة ختم النبوة.. فكل ما ارادت السماء، أن توحيه للأرض، استقر، بين دفتي المصحف، وبذلك تم الاستغناء التام، عن سيدنا جبريل، بصفته ملك وحي.