إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..
الأستاذ محمود في الذكرى الثانية والعشرين
محاولة للتعريف بأساسيات دعوته (٩)
خالد الحاج عبد المحمود
بسم الله الرحمن الرحيم
الأستاذ محمود محمد طه في الذكرى الثانية والعشرين
محاولة للتعريف بأساسيات دعوته
(9)
اللغـة
اننا نرمي من حديثنا هنا، عن اللغة، أن نجعل منه مدخلا للحديث عن النص الديني، في القرآن، وفي السنة.. فدعوة الأستاذ محمود للاسلام، كلها تقوم على القرآن، وعلى السنة.. والسند النصي فيها واضح بصورة جلية.. بل هو واضح بالصورة التي يمكن معها أن نقول، أنه يستحيل غيره، في الفهم الديني السليم!!
والحديث عن اللغة، لا يخرج عن اطار التوحيد، الذي تدور حوله جميع حلقات هذه الكتابة.. وقد ذكرنا مرارا، أن جميع قضايا الانسان، ترجع الى أمرين، هما: علاقة الفرد بالكون، وعلاقة الفرد بالمجتمع.. فهل اللغة ينطبق عليها هذا الأمر!؟
قد يكون واضحا للجميع، علاقة اللغة بالفرد والمجتمع.. ولكن ربما يستبعد الكثيرون، أن تكون للغة علاقة بالكون.. وفي تقديري، أن سبب استبعاد هذا الأمر، عند من يستبعدونه، أن اذهانهم عند الحديث عن اللغة، تنصرف الى لغة الكلام، عند البشر!! ولكن من منظور التوحيد، كل شئ في الوجود هو لغته!! بما في ذلك الكون المادي، والحياة في مستوياتها المختلفة، وأحداث الوجود في كل تفاصيلها، وتنوعها!! وجميع صور هذه اللغات هي مما يمكن فهمه، بل والمطلوب فهمه.. كل ما هنالك وسائل التعبير في هذه اللغات، تختلف من لغة الى لغة، وهذا بالطبع ينطبق على لغة الكلام عند البشر.. وبفضل الله علينا، وعلى الناس، أن العلم، في وقتنا الحاضر، قد تطور، بالصورة التي أعانت على ادراك العديد من صور اللغة والكلام، خلاف لغة الكلام عند البشر مما لم يكن في السابق مما يمكن أن يحسب في المجالات التي تدخل فيها اللغة.. ولذلك مفهوم اللغة اتسع، اتساعا هائلا.. وهو في الاسلام، أوسع مما هو في العلم الحديث، بما لا يقاس..
وأهم من ذلك، أنه في مجال التفسير الغائي، الاسلام هو الوحيد الذي يعطي امكانية فهم هذه اللغات.. فالاسلام يردها جميعا الى اصل واحد، ويعطي المنهاج العلمي، والعملي، لفهمها.
من الأفضل ان ندخل على موضوعنا من خلال تعريف للغة، يعين على ادراك ما نحن بصدده من أمرها.. يمكن تعريف اللغة بأنها: أي وسيلة تواصل بين طرفين، تقوم بنقل رسالة ما.. فكرية كانت، أو شعورية، أو عاطفية، ويتم تلقيها بأي حاسة من الحواس.. وبهذا المعنى الواسع أي شي في الوجود يوظف لخدمة التواصل، بالصورة المذكورة في التعريف هو لغة.. ولذلك الكون كله يمكن أن يكون لغة، وهو كذلك فعلا!! .. ويمكن أن يقال، أن العنصر المشترك بين جميع اللغات هو (الرمز).. والرمز دائما، لكي يؤدي رسالته في التواصل، وما ينبني عليه، ينبغي فك شفرته، أو تحويله، أو تفسيره، لمعرفة الرسالة المتضمنة فيه او التي يشير اليها.. فالرمز اللغوي يتكون من بعدين: البعد المادي، وهو صورة الرمز، والبعد المعنوي، وهو دلالته، أو الوظيفة المستخدم من أجلها.. ومما تقدم يتضح أننا نعتبر التواصل والدلالة، يشكلان الوظيفة الأساسية للغة - وإن كان للغة وظائف أخرى - وهما معا مجال ارتباط اللغة بالفكر، وبالمعرفة.
ولغة الكلام عند البشر، هي أرقى أنواع اللغات، وهي خلاصة تتطور اللغة عند الأحياء.. والفرق بينها، وبين اللغات الأخرى، هو كالفرق بين البشر، والأحياء الأخرى، التي هي دونه في سلم التطور.. ونحن طالما أننا بصدد الحديث عن القرآن، وهو كلام الله، لابد لنا أن لا نجعل حديثنا قاصرا على لغة البشر فقط، لأن الله تعالى متكلم بجميع الألسن، فما من شئ في الوجود إلا هو من كلماته!! ولذلك سنتناول بصورة موجزة، اللغة عند الكائنات الحية، دون البشر.