إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search

الأستاذ محمود في الذكرى الثانية والعشرين
محاولة للتعريف بأساسيات دعوته (١)

خالد الحاج عبد المحمود


الأستاذ محمود في الذكرى الثانية والعشرين
محاولة للتعريف بأساسيات دعوته


التوحيد: البعد الإنطولجي والبعد السلوكي "المنهاج"


للتوحيد في الإسلام، وجهتين، متكاملتين، لا يقوم أحدهما عند المسلم إلا بالآخر.. البعد الوجودي، التي تقوم عليه حقائق الأشياء، ويعبر عن الذات الإلهية، وهذا ما أسماه المفكرون الذين تحدثنا عنهم "نظرية في الكون"، والوجه الثاني هو الذي يقوم عليه السلوك، العملي، ويوجه الحياة والفكر عند المسلم.. فلا مجال لإدراك نظرية الإسلام في الكون، والتطور في مراقيها، إلا عن طريق المنهاج العملي الذي يقوم على التوحيد، والذي تجسده حياة النبي محمد عليه أفضل الصلاة، وأتم التسليم، والذي سبق أن أشرنا إليه.. فالتوحيد هنا صفة الموحد، بكسر الحاء – صفة الإنسان، الذي يتحقق بالتوحيد؛ وكلمة التوحيد "لا إله إلا الله " هي هادية التوحيد.. و لا إله إلا الله جاء بها جميع المرسلين، مبناها واحد، لكن المعنى – يختلف اختلافات كبيرة، يقول المعصوم "خير ما جئت به أنا والنبيون من قبلي، لا إله إلا الله" ، وهذا أمر لنا إليه عودة.
التوحيد، يقوم، في أساسه، على أن الذات الإلهية، هي أصل الوجود، ومصدره، وبها قيومية كل شئ، وإليها مصير كل شئ.. والذات الإلهية " مطلقة "، لا يلحق بها قصور، وهي فوق كل وصف، ولكن الله تعالى، بمحض فضله تنزل من صرافة ذاته، الى منازل أسمائه، ووصفاته، وأفعاله.. ثم أنزل القرآن ليحكي هذه التنزلات، لكي يعرفه عباده، فيسيروا الى عتبة ذاته..
فمن حيث الوجود الذات الإلهية هي وحدها، الموجودة بذاتها، وكل ما عداها، ومن عداها، ليس موجودا إلا بها، وليس معها.. فالأشياء جميعها، في الوجود الحادث، قيوميتها، بالله، وليست بذاتها.. وهذه الحقيقة التوحيدية الكبرى، تفيد بأن الله تعالى، هو مرجعية كل شئ في الوجود.. ومن هذه الحقيقة ينبثق كل شئ، وإليها يعود.. فالوجود أصله واحد، ومصدره واحد، والقانون الذي يحكمه واحد، لا خلاف في شئ من ذلك في الحقيقة، وكل خلاف يوجد، إنما هو خلاف من حيث التنزل، والظهور.. فالإطلاق اذن، هو أصل الوجود كله، وإليه مصيره.. وما التقيد، والمحدودية، إلا شكل من أشكال تجليات المطلق.. أما المطلق في ذاته، فيتسامى عن كل قيد، أو حد، أو تصور، وذلك لمكان كماله، فهو لا يلحق به النقص، أو العجز، في أي صورة من الصور، عن ذلك تعالى الله علوا كبيرا.. وهذا هو معنى قوله تعالى: (سبحان ربك رب العزة عما يصفون * وسلام على المرسلين * والحمد لله رب العالمين).. "سبحان ربك رب العزة عما يصفون" تعني تنزه الله تعالى في ذاته عن كل وصف.. "وسلام على المرسلين" لأنهم، لم يصفوه إلا بما وصف به نفسه، حسب مقتضى حكمته، في التقيد ليعرفه خلقه.. فالذات المطلقة، في إطلاقها، لا يطالها إدراك العقول، ولذلك جاءت الوصية النبوية "تفكروا في خلق الله، ولا تفكروا في ذاته فتضلوا".. وتنزلت الذات من صرافتها، الى مرتبة الاسم، ثم مرتبة الصفة، ثم مرتبة الفعل.. فبذلك ظهر الحادث من القديم، والمحدود من المطلق.. فالله تعالى: عالم مريد وقادر.. وهو تعالى، علمه قديم، وإرادته قديمة، وقدرته قديمة.. وهو تعالى لا يعلم بجارحة كأحدنا، وإنما هو يعلم بذاته، ويريد بذاته، ويقدر بذاته، وهو لم يصنع العالم من مادة سابقة، وإنما صنعه من لدنه.. فالخلق هو الإرادة الإلهية تجسدت.. وهذا هو معنى التنزل من الإطلاق، فالكون الحادث في الإسلام، يقع في ثلاثة عوالم، عالم الملكوت من أعلى، وعالم الملك من اسفل، وعالم البرزخ في الوسط.. وعالم الملكوت عالم لطائف، عالم أرواح.. وعالم الملك عالم كثائف.. عالم مادة مجسدة، تتأثر بها حواسنا.. وعالم البرزخ عالم المزج بين اللطائف والكثائف.. عالم العقول التي ركبت في الأجساد، لتحيل كثافتها الى لطافة.. وهذا هو عالم الإنسان.. والوحدة هي السلك الذي ينتظم هذه العوالم جميعها.. وهذا يقودنا الى الحديث عن وحدة الوجود