إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..
الأستاذ محمود في الذكرى الثانية والعشرين
محاولة للتعريف بأساسيات دعوته (١)
خالد الحاج عبد المحمود
الأستاذ محمود في الذكرى الثانية والعشرين
محاولة للتعريف بأساسيات دعوته
وحدة الفاعل:
من المبادئ الأساسية، في إطار التوجيه، في التوحيد، أنه ليس في الوجود إرادتان.. وإنما هي إرادة واحدة، هي الإرادة الإلهية.. ولقد خلصنا فيما تقدم، إلى أن (الحقيقة) من حيث الوجود واحدة.. فإذا كان لا موجود، في الحقيقة إلا الله، وكل ما عداه، ومن عداه، ليس موجودا معه، وإنما هو موجود به، فلا بد أن يكون لا فاعل، في الحقيقة، إلا الله، وكا ماعداه، ومن عداه، لا يفعل إلا به سبحانه وتعالى، ولا يمكن أن يفعل من ذاته.. فالتوحيد، يقرر أنه (لا حول، ولا قوة، إلا بالله) .. فالله تعالى، هو الفاعل الوحيد، في الحقيقة، لكبير الأشياء، ولصغيرها.. وهذا هو معنى "لا إله إلا الله" .. فهي تعني أن الإله واحد، هو الله .. وقد سبق أن تحدثنا عن التنزلات، وقلنا أن التنزل الأول إلى مرتبة الاسم، ثم الصفة، ثم الفعل.. والتنزل إلى مرتبة الاسم "الله"، وإلى مرتبة الصفة "الأحد"، وإلى مرتبة الفعل "الواحد".. فالواحد، دائما صفة الإله، فهي تعني الله في تنزله إلى مرتبة الفعل، وذلك مثل قوله تعالى: (أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار) أو قوله: (لمن الملك اليوم؟ لله الواحد القهار) .. وقوله: (ولا تقولوا ثلاثة ، انتهوا خيرا لكم، إنما الله إله واحد، سبحانه أن يكون له ولد، له ما في السموات، وما في الأرض، وكفى بالله وكيلا) وقوله: (إلهكم إله واحد، فالذين لا يؤمنون بالآخرة، قلوبهم منكرة وهم مستكبرون).. وقوله: (لا تتخذوا إلهين اثنين، إنما هو إله واحد فإياي فارهبون).. والناس في عموم أحوالهم، لم ينكروا الله، وإنما أنكروا الإله، يعني أنكروا أن يكون الله هو الفاعل لكل الأشياء كبيرها و صغيرها.. فغالبية الناس، يعترفون بأن الأفعال الكبيرة، فاعلها الله.. وأماالأفعال الصغيرة، والتي لهم فيها "وهم" مشاركة، ينسبونها إلى المخلوقات، ويذهلون عن الله.. يقول تعالى: (ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض، وسخر الشمس والقمر، ليقولن الله، فأنى يؤفكون * الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له، إن الله بكل شئ عليم) .. فالأعمال الكبيرة لعظمها وجلالها لا يقع لهم فيها وهم مشاركة، وعجزهم، وعجز المخلوقات الأخرى، عن الإتيان بمثلها عجز بائن.. ولكن وهم المشاركة يجئ في الأفعال الصغيرة.
فأمر وحدة الفاعل هذا، هو أمر الإسلام.. فالإسلام يعني الاستسلام لله.. وفي الحقيقة الوجود كله مسلم لله، منقاد له، يقول تعالى: (أفغير دين الله يبغون، وله أسلم من في السموات والأرض طوعا وكرها وإليه يرجعون).. فالوجود كله مسلم لله، خاضع لإرادته، كان، ولا يزال، ولن ينفك.. ولكن الوجود دون الإنسان غير واع بإسلامه هذا، فهو مسلم كرها.. فبظهور الإنسان، جدت مسألة أساسية، هي ظهور الإرادة الإنسانية.. فالإنسان يتوهم أنه صاحب إرادة مستقلة، بالفعل والترك.. وعلى ذلك أصبحت هنالك إرادتان: الإرادة الإلهية المحققة، والإرادة الإنسانية المتوهمة.. وظهور الإنسان، وظهور العقل، والإرادة البشرية، هو نقطة تحول، أساسية في الوجود، بل هو نقطة التحول الأساسية.. وبظهور العقل، والإرادة الإنسانية، ظهرت ثنائية (الحقيقة) و(الشريعة).. والحقيقة والشريعة هنا، يستخدمان استخداما اصطلاحيا، وهو اصطلاح مأخوذ من التصوف الإسلامي.. فالحقيقة هي الأمر كما هو عليه في الواقع، أو كما هو عند الله.. والشريعة هي الأمر كما يبدو للعقل البشري وتقوم على ظواهر الأشياء، وعلى اعتبار الإرادة البشرية..
هنالك الإسلام العام، وهو ما عليه جميع الخلائق، من إسلام لله.. وبظهور البشر، وظهور العقل المكلف، جاء الإسلام الخاص، إسلام البشر، إسلام العقول.. وهذا جاء مؤخرا جدا، وبدأ بآدم النبي، عليه السلام.. والإسلام الخاص، هو سوق البشر، من خلال عقولهم، ليسلموا لله كبقية العناصر في الوجود، ولكن طوعا وعن رضا وقناعة.. ولذلك الإسلام الخاص خطاب للعقل، ومداره كله، الإرادة البشرية "المتوهمة"، والتي يهدف إلى توجيهها وترويضها، حتى تعلم أن المريد، واحد، فتسلم له، وبذلك تصبح إرادة الإنسان، مسايرة للقانون الأساسي في الوجود، ومن إرادة الله، فتصبح إرادة حقيقية، وليست متوهمة، وتكون نافذة.. وهذه مكانة ينفرد بها الإنسان، ويتميز، على جميع خلق الله.. وستتضح أبعاد هذا القول، عندما نتحدث عن الإنسان.