بسم الله الرحمن الرحيم
(سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) صدق الله العظيم
بسم الله الرحمن الرحيم
(وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَىٰ * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَىٰ * وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَىٰ * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَىٰ * وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَىٰ * ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّىٰ * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَىٰ * فَأَوْحَىٰ إِلَىٰ عَبْدِهِ مَا أَوْحَىٰ * مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَىٰ * أَفَتُمَارُونَهُ عَلَىٰ مَا يَرَىٰ * وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَىٰ * عِندَ سِدْرَةِ الْمُنتَهَىٰ * عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَىٰ * إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَىٰ * مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَىٰ)
صدق الله العظيم
المقدمة:
هذا كتاب عن (المعراج).. هو لا يستقصي كل قيمه العرفانية والسلوكية، ولكنه إنما يفتح الطريق إلى تمام المعرفة به، وكمال التحقيق له. فبالمعراج انكشف مقام الولاية، وهو مقام النبي الكريم الحقيقي – هو مقام الحقيقة المحمدية الذي قامه النبي الكريم في جمعية ذاتية طوعت له شهود الذات المطلقة.. خرج من الزمن فشهد من لا يحويه الزمن..
وبهذا التطور الروحي الكبير صار الطريق ممهدا للانتصار على الزمن، وللتحرر منه، وذلك بمنهاج الصلاة الذي عاد به النبي الكريم، عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم من تلك الإلمامة النورانية، وهو منهاج لتحقيق إنسانية الإنسان، حيث يطلع على الحقيقة الأزلية، فيحصل العلم الذي يحرر من الخوف فتستقيم سيرته، وسريرته، فيحل الحب محل الخوف، في نفسه..
و(المعراج)، كذلك، قد فتح الطريق لإنزال مقام الحقيقة المحمدية من الملكوت إلى الملك، حيث قام النبي هذا المقام في الملكوت، ثم حققه تجسيديا، بالتحاقه بالرفيق الأعلى، ثم بترقي النبي في هذا المقام، برزخيا، إنما يمهد الأرض لتستقبل مجيئ الإنسان الكامل، الاسم الأعظم (الله) - الحقيقة المحمدية، مجسدة في الأرض.. وهو مقام الخلافة الأصلية التي عناها الله حيث قال للملائكة (إني جاعل في الأرض خليفة)..
وصاحب هذا المقام هو، وحده الأصيل، لأنه هو، وحده، قيد الإطلاق، الذي ليس بينه وبين الإطلاق أحد، وهو بين المطلق وجميع المخلوقات.. هو الإنسان الكامل (الحقيقة المحمدية).. هو الرسول الذي سيجيئ ليطبق قمة الدين المتمثلة في أصول القرآن، وذلك حين يتأذن الله بالتطبيق.. هو المسيح الموعود.. وكل عابد مجود من أمة المسيح المقبلة، والتي ستكون هي كافة البشرية، إنما سيكون قصاراه في الترقي، في هذه الحياة الدنيا، إحسان التقليد النبوي، وسيكون حظه من الأصالة أن تكون صلاة معراجه، وهي صلاة تقليده للنبي، محتوية دائما حظا أكبر من صلاة الصلة – من صلاة أصالته.. فالأصالة على إطلاقها، إنما هي الحياة الكاملة التي لا تؤوفها آفة العجز أو الموت، والتي إنما هي مستمدة من المطلق كفاحا، وتلك الحياة على هذه الأرض، إنما هي حظ المسيح وحده.. وكل مصّل مجود إنما مطلوب إليه أن يحقق في صلاته قدرا من الصلة (الحضور) يبعث به في بنيته قدرا من تلك الحياة الكاملة.
ثم أن المعراج وثيق الصلة بالصلاة والقرآن.. فالصلاة منهاج يجمع أطوار الحياة في تطورها من أسفل سافلين إلى الإنسان الكامل.. وبالصلاة تتوحد البنية البشرية من عقل وجسد وقلب، فتتحقق الواحدية والأحدية للعبد.. والقرآن هو قصة النفس البشرية في طريق رجعاها من أسفل سافلين إلى الإنسان الكامل، أيضا.. ومن ههنا الجمع بين القرآن والصلاة في الطريق النبوي..
والمعراج لا ينقطع، فكل العوالم علويها وسفليها في معراج دائم إلى الله (ذي المعارج).. أهل الدنيا، وأهل البرزخ، وأهل الجنة، وأهل النار، في الأبد، وفي منتهي الزمن، وفي اللا زمن، وفي السرمد – جميعا في معراج مستمر سرمدي.. هذا هو المعراج – في بداياته البسيطة، وفي نهاياته السامقة..