إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search

هؤلاء هم الأخوان المسلمون
الجزء الأول

دعوة الأخوان المسلمين الى تحكيم الشريعة:


قال مؤسس هذه الدعوة، ومرشدها الأول، الشيخ حسن البنا في مجموعة رسائله، وتحت عنوان: ((أصلحوا القانون)):
((إن لكل أمة قانونا يتحاكم إليه أبناؤها ، وهذا القانون يجب أن يكون مستمدا من أحكام الشريعة الاسلامية، مأخوذا عن القرآن الكريم، متفقا مع أصول الفقه الإسلامي)) ص 148.. وهذه العبارات لا تحمل تفريقا دقيقا بين الشريعة والقرآن، من حيث أن الشريعة إنما كانت تمثّل فروعه، بينما لا تزال أصوله تنتظر التطبيق.. حيث ستقوم عليها شريعة جديدة، ولقد بيّنا نحن الفرق بين الشريعة والدين.. كما لا تحمل عبارات الشيخ البنا تفريقا دقيقا بين الشريعة والفقه.. حيث أن الفقه إنما هو القول بالرأي فيما ليس فيه نص شرعي.. ولقد نشأ الفقه على أيدي من أصبحوا يعرفون بالفقهاء وأظهرهم أصحاب المذاهب.. ولقد أخذ هؤلاء يعملون الرأي فيستنبطون، ويقيسون، ويجتهدون حتى تداعى بهم الرأي الى البعد عن روح الشريعة وروح الدين، ولم يسفروا الا عن هذه المتون والحواشي والشروح والمطوّلات والفروض، التي حجّرت الدين، وبعدت به عن بساطته ونقائه، وزهّدت الشباب المعاصر فيه، وصرفته عنه.. والأخوان المسلمون، بذلك، إنما يدعون الى تحكيم الشريعة الموروثة في هذا العصر الذي استعدت فيه البشرية ليشرّع لها في مستوى أصول القرآن، والسنّة النبوية، تشريعا إسلاميا جديدا يستوعب طاقاتها، ويلبّي حاجاتها، بعد أن أدّت بعض صوّر هذه الشريعة الموروثة دورها كاملا في خدمة هذه البشرية – أدّته حتى استنفدته!! إن العيب ليس هو عيب هذه الشريعة، وإنما هو عيب العقول التي تريد أن تنقلها، بجميع صورها، لوقت غير وقتها، ولأمة غير أمتها..
قال تعالى: ((واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم، من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لاتشعرون)).. فاذا جاء الوقت لإتباع أحسن ما أنزل إلينا من ربنا، وهو آيات الأصول التي قامت عليها السنّة، وذلك بأن نجعل السنّة، وهي شريعة النبي الفردية، شريعة عامة لكل الناس، ونسخ ما هو دونها، وهو آيات الفروع التي قامت عليها الشريعة، فإن الدعوة الى تحكيم هذه الفروع، في هذا الوقت – الدعوة الى تحكيم الشريعة الموروثة، من غير تطوير، إنما هي دعوة معوّقة لبعث الإسلام، ولإحياء السنّة!! ونحن لا نرى الا أن دعوة الأخوان المسلمين كذلك!! أكثر من ذلك!! فإن ضررها أكبر من ضرر المؤسسات الدينية، والدعوات الإسلامية الأخرى!! ذلك لأنها إنما تأخذ شكل العمل التنظيمي المؤثر، وتعمل بأسلوب العنف، والإرهاب، والإثارة، وتسعى، لفرض أفكارها، الى السلطة بكل سبيل.. ولذلك فإن هذه الدعوة، إنما تجسّد أسوأ تناقضات ذلك الفهم الديني السلفي، مع الشريعة، ومع العصر – كما سنبين في هذا الكتاب..
إن هذا الكتاب إنما يستهدف تحديد هذه التناقضات وهذه المفارقات، التي يتورّط فيها الأخوان المسلمون، وذلك عن رغبة صادقة، منا، في درء خطرهم على الناس، وفي استنقاذهم، هم، أنفسهم!! ولذلك فإن أشخاص مرشديهم، وزعمائهم، الأحياء منهم والأموات، إنما هي موضع إحترامنا وحبنا!! ثم إننا لنستهدف، فوق ذلك، تمهيد الطريق أمام البعث الإسلامي الصحيح الذي نعيش اليوم، إرهاصاته المباركة، وفجره الصادق.. وسيصدر هذا الكتاب في جزئين: أولهما يحوي الباب الأول الذي أشرنا اليه في صدر هذه المقدمة، والثاني يحوي الباب الثاني.. والقول في ((تنظيم الأخوان المسلمين)) ذو سعة، لأن المادة عنهم كثيرة، ولأن ممارساتهم مثيرة، ولكنا رأينا أن نتناول جوهر فكرتهم، وطائفة صالحة من ممارساتهم، في مصر، وفي السودان، وفيها أوردنا الكفاية.. وعلى الله قصد السبيل..