إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search

هؤلاء هم الأخوان المسلمون
الجزء الأول

الشريعة ليست هي السنّة!!


ولقد نسخت آيات الوصاية أيات الحرية، كتشريع عام للأمة، وذلك على حسب طاقتها وحاجتها، يومئذ، بينما ظلت آيات الحرية هذه هي عمدة عمل النبي، صلى الله عليه وسلّم، في خاصة نفسه، وذلك تشريعا فرديا له فيما يطيق هو ويحتاج.. فهو، وحده، الذي كان، يومئذ، في ذلك المجتمع القاصر، مسئولا مسئولية كاملة، وحرّا حرية فردية كاملة.. فكان عمله في المال، مثلا، الزكاة الكبرى.. إنفاق العفو وهي الركن التعبّدي الأصلي، والذي لم ينزّل منه إلى الركن التعبّدي الفرعي – الزكاة ذات المقادير- الا بسبب حكم الوقت .. (وسنتناول ذلك بتفصيل أكثر عند حديثنا عن الإشتراكية في هذا الكتاب) – وكانت صلاة الثلث الأخير من الليل فرضا مكتوبا عليه، بينما لم تكن في حق الأمة الا من قبيل الندب والتطوّع.. هذان مثلان للتفريق بين السنّة والشريعة، فإن ما عليه الفهم الديني السائد اليوم، أن السنّة والشريعة، إنما يعنيان شيئا واحدا!! وهو فهم قد آن الأوان لتصحيحه.. ذلك بأن الوقت الحاضر إنما هو وقت إحياء السنّة، وذلك لحاجة البشرية الماسة إلى بعث الإسلام.. وبعث الإسلام، جاءت به البشارة النبوية هكذا: ((بدأ الإسلام غريبا، وسيعود غريبا، كما بدأ، فطوبى للغرباء!! قالوا: من الغرباء يا رسول الله؟؟ قال: الذين يحيون سنتي بعد إندثارها!!)).. وإحياء السنّة إنما يجب أن يقوم على فهم صحيح للسنّة.. فالسنّة إنما هي عمل النبي الكريم في خاصة نفسه، وما يتعلّق بهذا العمل من قول.. أما قوله واقراره اللذان أراد بهما الى التشريع والتعليم للناس في ذلك القرن، في مستوى ما يطيقون وما يحتاجون، فلا يلحق بسنته.. وإنما هما يلحقان بالشريعة..

تطوير التشريع الإسلامي:


التفريق بين الدين والشريعة، أو بين السنّة والشريعة، إنما يطرح مسألة تطوير التشريع الإسلامي، توّا، وبالحاح!! فلبعث، ولتحكيم الإسلام في حياتنا، من جديد، لا بدّ من تطوير التشريع الإسلامي!! وهذا التطوير ليس خروجا عن القرآن الكريم، وليس تطويعا متعسفا لنصوصه لتناسب الحياة المعاصرة!! كلا!! إنما هو انتقال من نص الى نص في القرآن.. انتقال من نص فرعي الى نص أصلي فيه، فهو، بذلك، دخول في الدين أكثر، واستلهام لأغراضه أكثر.. ذلك أن النص الفرعي ما تنزّل من النص الأصلي، فنسخه، الاّ لحكم الوقت.. واليوم، فإنا، إنما نرجع بتشريعنا من النص الفرعي الى النص الأصلي لينسخه بسبب من حكم الوقت، أيضا.. فالوقت وقت الحرية، لا وقت الوصاية.. هو وقت الحرية السياسية، المتمثّلة في الديمقراطية، ووقت الحرية الإقتصادية، المتمثّلة في الإشتراكية، ووقت الحرية الإجتماعية، المتمثلة في المساواة بين الناس، وعدم التفريق بينهم بسبب الذكورة والأنوثة، أو بسبب الدين، أو بسبب عدم الدين!!
فتطوير التشريع الإسلامي، بذلك، إنما هو إنتقال من العمل بالشريعة إلى العمل بالسنة – هو إتجاه لجعل السنّة، وهي شريعة النبي الفردية، شريعة جماعية، لعامة الناس، بقدر ما يطيقون منها، وما يحتاجون..