إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search

هؤلاء هم الأخوان المسلمون
الجزء الأول

خاتمة الجزء الأول من الكتاب


تناول هذا الجزء الأول من الكتاب تنظيم الأخوان المسلمين من حيث "الفكرة" أما الجزء الثاني الذي يعقب هذا، من ناحية التسلسل المنهجي، فيتناول تنظيم الأخوان المسلمين من حيث "الممارسة".. فلا غنى لقارئنا بأحدهما عن الآخر، إذ هما متكاملان، مترابطان.. يفضي الأول، وهو يطرح الخلفيات الفكرية لهذا التنظيم، إلى الثاني الذي يطرح إنعكاسات هذه الخلفيات الفكرية على الممارسات العملية لهذا التنظيم، بدءا بنشأة التنظيم في مصر، وإنتهاء بمواقفه الراهنة من سلطة (مايو) في السودان!!
ونحب، هنا، وقد تناولنا "فكرة" الأخوان المسلمين، من حيث انها تقوم على الفهم الديني السائد، اليوم، الذي يدعو إلى "تحكيم" الشريعة الإسلامية الموروثة، بجميع صورها، على حياتنا المعاصرة، بغير تطوير، أن نطرح الأسس التي تقوم عليها حكمة تطوير التشريع الإسلامي في الدعوة الإسلامية الجديدة.. داعين الأخوان المسلمين، بخاصة إلى مراجعة مواقفهم "الفكرية"، و"الخلقية" بإزائها:
(1) الشريعة، بالغة ما بلغت من السموق والتسامي، إنما هي، في نهاية المطاف، وسيلة لتحقيق كرامة الإنسان، من ذكر وأنثى. وهذه الكرامة إنما تتحقّق ببلوغ الإنسان مبلغ الحرية، والمسئولية، وبالتشريع له في هذا المستوى.
(2) تُلتمس حكمة تطوير التشريع، أول ما تُلتمس، في التوحيد، فإن كل ما خلا الذات الإلهية، فهو خاضع لسنّة الدثور والتطوّر، والشريعة من باب أولى، ذلك بأنها إنما تجيء لتنظيم طاقات الإنسان وحاجاته، وهذه الطاقات والحاجات، إنما هي متجددة تجدّد الحياة..
(3) كمال الشريعة ليس في بقائها جامدة على صورة واحدة بحجة: ((الشريعة صالحة لكل زمان ومكان))، وإنما كمالها في مقدرتها على التطوّر.. فالشريعة ليست صالحة لكل زمان، وكان.. وإنما الدين، بما اشتمل عليه من مستويين للتشريع، مستوى الوصاية، ومستوى المسئولية – كما بيّنا في مقدمة هذا الكتاب – هو الصالح لكل زمان، ومكان..
(4) البعث الديني، حينما يجيء، إنما يجيء فيجد المجتمع البشري قد كوّن شتى الأعراف التي تقوم عليها حياته، والتي إنما تقف الإرادة الإلهية الخفية وراء تكوينها، ومن هذه الأعراف ما هو حق مشوب بالباطل، ومنها ما هو حق، إذ لا يدخل الباطل المطلق في الإرادة الإلهية، فيعمد البعث الديني إلى محو ما هو باطل من هذه الأعراف، وإثبات ما هو حق: ((ويمحو الله الباطل، ويحقّ الحق بكلماته، إنه عليم بذات الصدور))..
(5) الأصل في الإسلام الحرية، وما جعلت الوصاية الرشيدة فرعا منها الاّ لأنها إنما إليها تؤدي.. ولذلك فإن نسخ آيات الحرية في الماضي ليس نسخا سرمديا، وإنما هو إرجاء لها حتى تبلغ البشرية مبلغ الحرية فتبعث من جديد، ناسخة لآيات الوصاية، وكذلك تعود الأمور إلى أصولها..
(6) الحرية حق يقابله واجب، هو حسن التصرّف فيها، ولقد كانت الشريعة في الماضي، عادلة، وحكيمة، حينما لم تعط الفرد البشري، يومئذ، من الحرية أكثر مما يطيق النهوض بواجب حسن التصرّف فيه، ومن ثمّ فلا بد من تطوير التشريع اليوم، لئلا يعطى الفرد البشري من الحرية أقل مما يطيق النهوض بواجب حسن التصرّف فيه.. إذ: ((لا يكلف الله نفسا الاّ وسعها))، وإذ ((لا يظلم ربك أحدا))
(7) يشمل تطوير التشريع الإسلامي أوجه الحياة التي تخضع، بصورة أظهر، لحركة التطوّر، كالسياسة، والإقتصاد، والإجتماع، ولا يمس تشريع الحدود والقصاص، ولا تشريع العبادات، ما خلا الزكاة ذات المقادير.. فتشريع الحدود والقصاص أدخل في أصول الدين الثوابت لأنه صورة لقانون المعاوضة في الحقيقة، والذي يقوم وراء العقيدة: ((فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شر يره))، كما هو يحقق، وفي أرقى مستوى، التوفيق بين حاجة الجماعة إلى الأمن، وحاجة الفرد إلى الحرية، في وقت واحد.
هذه هي أسس فكرة تطوير التشريع.. وصورة هذا التطوير كما بيّناها في مقدمة هذا الكتاب، إنما هي الإنتقال من نص فرعي في القرآن الكريم إلى نص أصلي فيه.. أو بمعنى آخر جعل شريعة النبي الفردية (سنته) شريعة جماعية لعامة الناس..
ونحن نتوجه إلى الأخوان المسلمين ليعيدوا النظر في فكرة البعث الإسلامي على ضوء هذا الفهم الصحيح، ذلك بأننا إنما نبغيهم الخير، ولا نألو جهدا في توصيله اليهم .. ثم نحن لا نحمل إزاءهم أي ضغن، مهما بلغوا في معارضتنا مبلغ الشطط، وكثيرا ما يفعلون فيخرجون، في هذه المعارضة، عمّا يليق بالدعاة الإسلاميين!!
هذا وإلى الجزء الثاني من الكتاب، الذي يرصد أبرز مواقف الأخوان المسلمين في مصر، وفي السودان، من حيث أنهم تنظيم كلف، أشد الكلف، بإحراز السلطة، ويستغل في هذا السبيل الدعوة إلى الدين، فيتوّرط، من حيث لا يشعر، في تشويه صورة الدين..
والله المستعان..


_________________________________________________

الأخوان الجمهوريون
أم درمان ص. ب 1151 تلفون 56912
الطبعة الأولى 31 أغسطس 1978 الموافق 27 رمضان 1397