جواز إمامة المرأة للنساء وللشيوخ من الرجال
عن عبد الرحمن بن جلاد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يزور أم ورقة في بيتها، فاستأذنته في مؤذن، فجعل لها مؤذناً، وأمرها أن تؤم أهل دارها، قال عبد الرحمن: فأنا رأيت مؤذنها شيخاً كبيراً. (رواه أبو داؤود والحاكم، وابن خزيمة). وقد كانت أم ورقة، بذلك تصلّي بأهل دارها، بما فيهم مؤذنها الشيخ.. وهكذا تجوز إمامة المرأة للنساء، وللرجال وقد ذهب هذا المذهب من أهل المذاهب الأئمة الطبري والمزني وأبو ثور.. وقد ورد أن بعض أمهات المؤمنين كن يصلين بالنساء.. فقد روى الدار قطني، والبيهقي أن عائشة أمت النساء، فكانت بينهن، في صلاة مكتوبة. وعن عبد الرزاق والشافعي عن هجيرة قالت: أمتنا أم سلمة في صلاة العصر، فقامت بيننا. وعن عبد الرزاق عن ابن عباس قال ((تؤم المرأة النساء في وسطهن)). (المصدر "الجامع للأصول في أحاديث الرسول" ـ الجزء الأول صفحة 257) وعلى هذه الأسانيد قام مذهب الإمام الشافعي، فأجاز إمامة المرأة على النساء.
جواز آذان المرأة لصلاة النساء
وجوّز الشافعية آذان المرأة لصلاة النساء، فقالوا: ((ويحرم إن قصدت التشبه بالرجال، أما إذا لم يقصدن ذلك فإن آذانهن مجرد ذكر، ولا كراهة فيه، إذا خلا من رفع الصوت)) ـ كتاب الفقه على المذاهب الأربعة ـ
جواز خروج النساء إلى المساجد
جاء في (الموطأ) : (حدثني يحي بن مالك أنه بلغه عن عبد الله بن عمر أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تمنعوا إماء الله مساجد الله!!)).. وحدثني عن مالك أنه بلغه عن يسر بن سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للنساء: ((إذا شهدت إحداكن صلاة العشاء، فلا تمسَّن طيباً)
هذا وخروج المرأة للحج ومشاركتها الرجل، واختلاطها به، في تأدية مناسكه أمر مشروع، ومعمول به..
جواز اتباع النساء للجنازة
جاء في حديث أبي شيبة وابن ماجة أن سيدنا عمر رأى امرأة في جنازة فصاح بها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((دعها يا عمر!!)). وقالت أم عطية ((نهينا عن اتباع الجنائز، ولم يعزم علينا)) ـ أي لم يفرض علينا النهي ـ رواه البخاري، ومسلم وأبو داؤود وعلى ذلك رخص مالك فيه، فقد جاء في ((كتاب الفقه على المذاهب الأربعة)) تحت حكم تشييع الميت ما يلي:
((المالكية قالوا: (في تشييع المرأة للجنائز) إذا كانت المرأة مسنة جاز لها أن تشيع الجنازة مطلقاً، وتكون في سيرها متأخرة عنها، وعن الراكب من الرجال إن وجد. وإن كانت شابة لا يخشى منها الفتنة جاز خروجها لجنازة من يعز عليها، كأب وولد وزوج وأخ، وتكون في سيرها كما تقدم. وأما من يخشى من خروجها الفتنة فلا يجوز خروجها مطلقاً))
جواز صلاة المرأة على الجنازة
روى ابن هشام، في سيرته، في الصلاة على النبي عندما التحق النبي بالرفيق الأعلى: ((ثم دخل الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلون عليه أرسالاً، دخل الرجال، حتى إذا فرغوا أدخل النساء، حتى إذا فرغ النساء، أدخل الصبيان))
وروي عن ابن عباس أنه لما جهز صلى الله عليه وسلم يوم الثلاثاء وضع على سريره، في بيته، فصلت عليه الملائكة فوجاً فوجاً، ثم الناس فوجاً فوجاً، ثم نساؤه، ثم النساء، ثم الصبيان، ولم يؤمهم أحد. وكان صلى الله عليه وسلم أوصى بذلك.. (كتاب نسيم الرياض في شرح الشفا للقاضي عياض ـ الجزء الثالث ص 284)
وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: لما توفي سعد بن أبي وقاص قالت عائشة: أدخلوا به المسجد حتى أصلى عليه، فأنكر ذلك عليها (أي الصلاة على الجنازة في المسجد، لا صلاتها هي على الجنازة) فقالت: ما أسرع ما نسي الناس!! والله لقد صلى رسول الله على ابنيْ بيضاء في المسجد، سهيل وأخيه (رواه مسلم وأبو داؤود، والترمذي والنسائي)
وقد روى ابن هشام في سيرته صلاة صفية بنت عبد المطلب على أخيها حمزة عند استشهاده فقال: ((فأتته فنظرت إليه، فصلت عليه، واسترجعت، واستغفرت له، ثم أمر به رسول الله فدفن)) الجزء الثالث صفحة 41
وجاء في ((كتاب الفقه على المذاهب الأربعة)) تحت ((إذا صلّت المرأة جنب الرجل أو أمامه، وهي مقتدية)):
((اتفق الأئمة الثلاثة على أن المرأة إذا صلّت خلف الإمام وهي بجنب رجل، أو أمامه لا تبطل صلاتها بذلك، كما لا تبطل صلاة أحد من المصلين المحاذين لها. وخالف الحنفية في ذلك..))
وللحنفية رأي في موقف المرأة في صلاة الجنازة قالوا: ((فإذا حاذته في صلاة الجنازة فإنها لا تبطل، ومثلها لكل صلاة ليست مشتملة على ركوع وسجود..))
وهكذا جوز الحنفية أن تحاذي المرأة الرجل في صلاة الجنازة.. كما جوزوا من قبل، أن تكون ولية على نفسها، وعلى غيرها في التزويج للكفء، وبمهر المثل... وهذا إنما يدل على انفتاح الإمام أبو حنيفة على أصول القرآن الكريم، واستشرافه للحقوق المدخرة للمرأة في هذه الأصول، وتحرره من بعض عقابيل الظروف التاريخية القائمة التي تحجر الفكر، وتمسخ التصور..
هذه صور لانفتاح الشريعة على التطور، تدل، أشد الدلالة، على مقدرة هذه الشريعة على التطور، واستعدادها له. وقد رأينا اتجاهاً واضحاً في الشريعة لإعطاء المرأة، بقدر ما يسمح به حكم الوقت، الفرصة لمشاركة الرجل في سائر الأعمال الدينية، كالإمامة، واتباع الجنازة، والصلاة عليها.. وما حرمت المرأة من المشاركة الكاملة في هذه الأعمال إلا لوقوع صور الوصاية المختلفة عليها، كالحجاب مثلاً. ولعل القارئ قد لاحظ اتجاه الحنفية لإعطاء المرأة حرية التصرف وإلزامها بالمسئولية كما أن المالكية يرون أصل حق المرأة في تشييع الجنائز. والشافعية يرون حقها في الآذان، وهنا وهناك يبدون تحفظات تدور كلها حول النظرة للمرأة كأنثى وقد آن الأوان لإشاعة نظرة الإسلام الأساسية للمرأة كإنسانة..