إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search

تعلموا كيف تجهزون موتاكم

الخاتمة


في هذه الخاتمة نتناول، بالتعليق الموجز منشورين غريبين صدرا عقب مأتم فقيدنا الأخ عبد الرحمن البوشي، أحدهما باسم ((علماء السودان)) والآخر باسم ((عبد السلام أحمد)) وكلاهما قد ركب موجة الشائعات الساذجة التي روجها ((المرجفون في المدينة)) وذلك في محاولة يائسة لتشويه دعوتنا التي أخذت دائرة ضيائها تنداح حثيثاً، بحمد الله تعالى، وهي تحقق، كل صبح جديد، نصراً جديداً في ميدان البعث الإسلامي، بينما يفقد أدعياء الدين، كل صبح جديد، أرضاً جديدة في خصومتهم معها، لتنداح دائرة إظلامهم، وليزدادوا هواناً على الله، وعلى أنفسهم، وعلى الناس.

منشور "علماء السودان"


وهو بتاريخ 24 أبريل 1978. ولا نرى كبير جدوى من نشره هنا، بكامله.. ففيما عدا تناوله لوفاة المرحوم عبد الرحمن البوشي، فإنه لا يخرج عن صورة المنشورات التي اعتاد "علماء السودان" المزعومون توجيهها لأئمة المساجد، والوعاظ والمصلين، من حين إلى حين، بقصد تشويه دعوتنا، وتأليب العواطف الدينية ضدها، والتي لم تبلغ طائلاً، فلم تخلف أثراً سوى الحسرة على أصحابها.. جاء في المنشور: - (وإن مثل المؤمن الشجاع المستمسك بتعاليم دينه هو ذلك الشيخ الجليل مدثر البوشي وزير العدل الأسبق، فقد مات صهره وابن أخته، وكان من أتباع محمود محمد طه، فأبى الشيخ المؤمن أن يصلي عليه، وأن يشيع جنازته، وأن يتقبل عزاء فيه)!! هذا ما جاء في منشور "علماء السودان"، وهو يقصد بالمتوفى هنا المرحوم عبد الرحمن البوشي. وقد استغل المنشور موقف الشيخ مدثر البوشي المتناقض، إبان تجهيز جثمان الفقيد وتشييعه، والصلاة عليه، في الكيد الرخيص لهذه الدعوة، بما ينم عن رقة الدين وتدنِّي الأخلاق، ومآل أمور المسلمين الدينية إلى أقلهم ديناً!! أما موقف الشيخ مدثر البوشي فهو أنه قد حضر من مدني إلى الخرطوم، إبان مرض الفقيد الأخير، لزيارته، وهو الذي تربطه به علاقة القربى والمصاهرة، فكان يتردد عليه بمستشفى الخرطوم، مراراً عديدة، ويواليه بالدعاء و"العزيمة"!! ولم يعد إلى ود مدني إلا قبيل الوفاة. وعند نقل خبر الوفاة إليه بود مدني خف إلى منزل الفقيد، وظل يتقبل العزاء حتى وصول الجنازة من الخرطوم، ثم تقبل العزاء من الأستاذ محمود محمد طه، ومن الأخوان الجمهوريين، باهتمام، وحرارة واضحين. فلما حان غسل الجنازة أُرسل إليه فحضر، ولكنه اعتذر من المشاركة في الغسل لظروفه الصحية، وجلس على كرسي بقرب "عنقريب" الغسل، فحضر "الغسلة الأولى"، ثم خرج، معتذراً بحرارة جو الحجرة، وقد وعد بالعودة عند التكفين، غير أنه لم يعد، ولم يشترك في التشييع ولا في الصلاة!! ويبدو جلياً أن سبب هذا الموقف المتناقض المفاجئ هو علمه أن المرحوم قد أوصى بأن يتولى الاخوان الجمهوريون تجهيزه، والصلاة عليه، وهو يرى لنفسه هذا الحق من دونهم، ولو قد أوكل إليه لما تخلف عنه لحظة واحدة!! وإلا فبم نفسر حضوره إلى منزل الفقيد عند سماع نبأ الوفاة، وانتظاره للجنازة هناك، وقبوله العزاء من كل أهل المدينة الذين جاءوا للعزاء عند وصول الجنازة، وقبلها؟؟ وبم نفسر قبوله لعزاء الأستاذ محمود محمد طه، وعزاء الاخوان الجمهوريين الذين حضروا مع الجثمان؟؟

إلى "علماء السودان"


إن تهمة الردة والكفر التي تلصقونها بنا من غير ورع، ولا تقية، ولا دين، إنما هي رد عليكم، وإصر تنوءون به وحدكم!! ودونكم النذر: فعن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ((إذا قال الرجل لأخيه: يا كافر!! فقد باء بها أحدهما!! فإذا كان كما قال، وإلا رجعت عليه)) ـ متفق عليه.. وعن أبي ذر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يرمي رجل رجلاً بالفسق، أو الكفر، إلا ارتدت عليه، إن لم يكن صاحبه كذلك)) رواه البخاري. وعن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ((سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر)) ـ متفق عليه.
هذه هي النُّذر!! أفلم يبق لديكم مسكة من الورع تعصمكم من إعلان كفر المسلمين، وإهدار دمائهم من على منابر المساجد؟؟ والمسلم المنهي عن سبابه، وقتاله، ورميه بالكفر هو كل من قال الشهادة، ولو كان منافقاً بها مجرد القول!! قال أسامة بن زيد: ((بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية إلى الحرقات فنذروا بنا، فهربوا، فأدركنا رجلاً، فلما غشيناه قال: لا إله إلا الله!! فضربناه، حتى قتلناه. فذكرته للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: من لك بلا إله إلا الله يوم القيامة!! فقلت: يا رسول الله إنما قالها مخافة السلاح!! قال: أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم من أجل ذلك قالها أم لا؟ من لك بلا إله إلا الله يوم القيامة؟؟ فما زال يقولها حتى وددت أن لم أسلم إلا يومئذ!!)). هكذا ترعى حرمة "المسلم" ولو كان منافقاً، فكيف بمن يعيش الإسلام الحق ويعلن الدعوة إلى بعثه، ويقف حياته من أجلها؟؟ وهل بقيت لكم بقية من دين وأنتم تسبون الموتى، وتخوضون في دينهم، وتعلنون ذلك باسم "علماء السودان"؟؟ وقد روت عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ((لا تسبوا الأموات فإنهم قد أمضوا إلى ما قدموا)) رواه البخاري.
يا أيها "العلماء!! شيئاً قليلاً من الحياء!! واخشوا هول يوم قريب، وكثير منكم شيوخ وكهول!!

منشور عبد السلام أحمد


تحدث المنشور في مطلعه عن واجبات "علماء" المسلمين، حتى قال: ((غير أن الذي تأسى له النفس أن هؤلاء العلماء لا يملكون من الأمر شيئاً في المجتمع الإسلامي في كل مكان بوجه عام. وقد نهى بعض العلماء عن سب رسول الله وأصحابه، فشكلت له محكمة مدنية، وغرم (جهاراً نهاراً) 25 جنيها)).. ثم ذهب المنشور يتحدث عن فضل الصحابة، والحض على محبتهم والنهي عن سبهم!! والشيخ عبد السلام أحمد، هنا يعني "ببعض العلماء" الذي أدانته المحكمة ابنه عبد الرحمن عبد السلام.. هل يريد الشيخ عبد السلام أن يعرف لماذا صار "العلماء" من أمثاله، وأمثال ابنه ((لا يملكون من الأمر شيئاً)) كما قال، مع أن الله تعالى يقول ((ولله العزة، ولرسوله، وللمؤمنين))؟؟ حسناً!! فليعلم أن السبب هو رقة دين هؤلاء "العلماء" المزعومين!! وأقرب النماذج الماثلة ما تورط فيه هو، وابنه، من كذب صريح!! وقد رأينا في مقدمة هذا الكتاب كيف يقف الكذب والإيمان على طرفي نقيض.. أما ابنه، عبد الرحمن عبد السلام، فقد أدانته محكمة جنايات ود مدني بتاريخ 10/12/1977 تحت المادتين 435، 296 (الكذب الضار والتهجم).. ونورد هنا طرفاً من قرار المحكمة فيما يتعلق بجريمة الكذب الضار: ((هل تضمنت العبارات التي صدرت من المتهم أخباراً كاذبة؟ والمحكمة تجيب بنعم....)) ثم يمضي قرار المحكمة ليقول: ((هل قصد الجاني بالعبارات المذكورة آنفاً خدش سمعة الاخوان الجمهوريين كمجموعة مع علمه بكذبها؟ والمحكمة تجيب على ذلك أيضاً بنعم. إذ أن المتهم أراد إيذاء سمعتهم وتنفير الناس منهم وازدراءهم في الوسط الذي يعيشون فيه بنشره تلك الأوصاف القبيحة التي ذكرها مع علمه بأن ما قاله ليس صحيحاً بدليل أنه لم يستطع أن يورد البيِّنة على صحته)).
ويجد القارئ تفاصيل هذه القضية في كتابنا ((أئمة بلا إيمان.. عبد الرحمن عبد السلام آخر النماذج)).. فالمقرئ والواعظ عبد الرحمن عبد السلام مدان بالكذب الضار!! ووالده إنما يطعن في قرار المحكمة، بل يسيء إليها، وإلى القضاء، وإلى حكم القانون، أبلغ الإساءة حين يقول ((وقد نهى بعض العلماء عن سب رسول الله وأصحابه، فشكلت له محكمة مدنية، وغرم (جهاراً نهاراً) 25 جنيها))!! ـ فكأن القضاء، عنده، إنما يحض على هذا الفعل المنكر بإدانة من يتصدى للنهي عنه!! أما تورط الشيخ عبد السلام نفسه في الكذب فواضح من قرار المحكمة. فالمحكمة قد أدانت ابنه بالسباب البذيء الذي وجهه لبعض الاخوان الجمهوريين في السوق، مما يشكل أركان جريمة الكذب الضار، بحيث لم يكن هو، في هذا الموقف، بأي حال من الأحوال، ينهى عن ((سب رسول الله وأصحابه)) كما ذكر والده الشيخ عبد السلام؟ إن هذا الشيخ يريد أن يوحي بأن الاخوان الجمهوريين متورطون في هذا الفعل المنكر، وبأن ابنه إنما يتصدى لهم بسببه فواجه الإدانة من المحكمة!! وذلك في محاولة يائسة لإزالة العار الذي لحق به، وبإبنه، في هذه القضية التاريخية المشهودة. ولو كان يعرف هذا الشيخ قدر النبي الكريم وصحابته، لما زج بذكرهم في هذا المنشور الذي تفوح منه رائحة الكذب المنتنة!! ولو كان هذا الشيخ، وإبنه يعرفان قدر النبي الكريم، وصحابته لتعلما شيئاً قليلاً من صدقهم، ولما تعرضا لما يتعرض له السفهاء من تجريم أمام المحاكم بجرائم كهذه مُحِطّة بأقدار الرجال!! ولا نريد هنا أن نتحدث عن معرفتنا الفريدة لمقام النبي الكريم، وعما تنطوي عليه صدورنا من توقير وتقديس ومحبة له، ولا عما نعرفه لصحابته من الفضل العظيم، والقدر الجليل.. فنحن اليوم، وحدنا الدعاة العاملون بوعي وجد، لإحياء السنة النبوية الشريفة بعد أن اندثرت عند عامة المسلمين و"علمائهم". اندثرت علماً وعملاً!! ولن نضع أنفسنا، مطلقاً، في موضع المتهم بمثل تلك التهمة الموبقة، والذي يلزمه دفعها عن نفسه!! وإنما نحن ندعو هؤلاء "العلماء" إلى العودة إلى جادة الدين، من جديد، فإنهم أحوج الناس إلى هذه الجادة!!
وإلى جمهور مدينة ود مدني نتوجه بهذا الخطاب: ها أنتم ترون صورة للخصومة الفاجرة التي تلج بأصحابها إلى الكذب الصراح، والبهتان المبين!! والفاجعة الكبرى أن تكون هذه أخلاق "علماء" الدين!! فها هو الشيخ عبد السلام أحمد، واعظ الشئون الدينية، وابنه عبد الرحمن عبد السلام، المقرئ والواعظ، وأضرابهم من "العلماء" المزعومين، يكذبون، ويتحرون الكذب!! أما فجيعة هذه المدينة فهي أن تتخذ منابر مساجدها مرتعاً لهذه الصور المزرية من رقة الدين، وسقوط المروءة!! فتجد الشائعة المضلَّة الضارة طريقها إلى الشارع من منابر المساجد!! فمن هذه المنابر خرجت تلك الشائعات، ومروجها ليس رجل الشارع!! وإنما هو "رجل الدين"!! فيا لفجيعة الدين في هؤلاء الرجال!!
وبعد، هل يُؤتمن على دين هذا الشعب من هو "مسرف كذاب"؟ هل يأتمن جمهور هذه المدينة مثل هؤلاء الرجال على أمر تربيته وتسليكه في مراقي الدين؟
كلمة أخيرة نتوجه بها إلى جمهور هذه المدينة، بنية صادقة في إبغائه الخير، ((خذ دينك ممن استقاموا ولا تأخذه ممن قالوا)). كما هي الوصية النبوية الحكيمة..

كان الله في عونك، وهداك، وجنّبك قطاع طريق الحق!!

الاخوان الجمهوريون
ام درمان ص. ب 1151
تلفون 56912
الطبعة الأولى السبت 20/5/1978