إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search

تعلموا كيف تجهزون موتاكم

إنفتاح الشريعة على التطور


مراد الدين، بالأصالة، إنما هو المساواة التامة بين الرجال والنساء في الحقوق والواجبات.. وهذا لا يتحقق إلا بتطوير الشريعة الإسلامية من آية القوامة إلى آية المساواة ـ بنسخ آية المساواة لآية القوامة، كما كانت آية القوامة ناسخة لآية المساواة في الماضي ـ أعني في الشريعة..
ونحب هنا أن نرصد بعضاً من صور الشريعة الإسلامية المنفتحة على التطور، والتي بتمديدها، والسير في اتجاهها يتم الانتقال إلى أصول القرآن، من فروعه التي قامت عليها الشريعة، لاستنباط شريعة إسلامية جديدة، من أصول القرآن، تتوفر على المساواة التامة بين الرجال والنساء، فمثلاً، في شريعة الأحوال الشخصية، للمرأة حق الولاية على نفسها، وعلى غيرها في الزواج، بشرط أن يكون للكفء بمهر المثل، وهذا هو رأي المذهب الحنفي وبه قال أبو يوسف، وقد ورد في كتاب فقه المذاهب الأربعة، المجلد الرابع ـ الأحوال الشخصية ص 32، 46 ما نصه: ((أما البالغة سواء كانت بكراً أو ثيباً، فلا جبر عليها لأحد ولا يتوقف نكاحها على ولي، بل لها أن تزوج نفسها بمن تشاء، بشرط أن يكون كفأً)) وورد أيضاً في كتاب الأحوال الشخصية لمعوض محمد مصطفى سرحان المعمول به في مصر والسودان ص 149 ما نصه ((وذهب أبو حنيفة وأبو يوسف في ظاهر الرواية إلى إثبات هذا الحق لها، فلها أن تزوج نفسها متى كان كفأ، والمهر مهر المثل، ولا اعتراض على أحد عليها، كما لها الحق أن تزوج غيرها أيضاً)) وعمدة هذا الفهم من القرآن مأخوذة من قول الله تعالى ((فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن)) وقوله تعالى ((فلا جناح عليهما أن يتراجعا، إن ظنا أن يقيما حدود الله)) وفي شريعة الأحوال الشخصية أيضاً، للرجل الحق في إشراك زوجته معه في العصمة، بحيث يكون لها الحق أن تطلق نفسها متى شاءت، كما لها الحق أن تشترط على زوجها في عقد الزواج ألا يعدد عليها، وقد جاء في أمر مشاركتها لزوجها في العصمة من كتاب ((الأحوال الشخصية حسب المعمول به في المحاكم الشرعية المصرية والسودانية والمجالس الحسبية)) للأستاذ معوض محمد مصطفى سرحان في صفحة 334 ما يلي ((ثم إن التفويض عند الحنفية يصح قبل العقد، وعند إنشائه، وبعد تمامه، في أي زمن كان حال قيام الزوجية، وصورة التفويض قبل حصول العقد أن يعلق التفويض على التزوج بها، كأن يقول إن تزوجتك فأمرك بيدك تطلقين نفسك متى تشائين، فإنه إن تزوجها ثبت التفويض غير المقيد بزمن، وكان لها الحق في تطليق نفسها متى أرادت، وصورة التفويض عند إنشاء العقد أن تقول امرأة لرجل، يحل له التزوج بها، زوجت نفسي منك على أن يكون أمري بيدي أطلق نفسي متى شئت، أو كلما شئت، فقال لها قبلت، صح الزواج، وكان أمر نفسها بيدها على الصورة التي قالتها، وقبلها الزوج)) وعمدة هذا الرأي وأصله ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في تفويضه لنسائه وهو ما حكته الآية الكريمة: ((يا أيها النبي قل لأزواجك، إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها، فتعالين، أمتعكن وأسرحكن سراحاً جميلاً * وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة، فإن الله أعد للمحسنات منكن أجراً عظيماً))
وعلى هذا فإن التفويض صحيح شرعاً ومعمول به قضاء..
أما الأمر في تعدد الزوجات فقد جاء فيه النص من قوله تعالى ((فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى، وثلاث ورباع، فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة)). وجاء في آية أخرى قوله تعالى ((ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم)) ومن النصين المتقدمين نلاحظ أن الأصل هو الزوجة الواحدة للزوج الواحد، وفي مستوى الشريعة، جاء عند السادة الحنابلة أن المرأة يمكن أن تشترط على زوجها، في العقد، ألاّ يعدد عليها.. ويصح هذا الشرط ويصبح ملزما قضاء، فقد جاء في كتاب فقه المذاهب الأربعة المجلد الرابع صفحة 87 ما نصه ((الشروط في النكاح تنقسم إلى ثلاثة أقسام، أولها شروط صحيحة، وهي إذا اشترطت المرأة ألا يتزوج عليها وألاّ يخرجها من دارها.. إلخ فهذه الشروط صحيحة ولازمة، ليس للزوج التخلص منها، فإن خالفها كان لها حق فسخ العقد متى شاءت)) وفي نفس صفحة 87 من كتاب فقه المذاهب الأربعة، وردت موافقة المالكية على هذا الشرط وندبوا الوفاء به.