الصادق والديمقراطية
إن الطائفية، والديمقراطية، لا يجتمعان، لأنهما نقيضان.. ففي حين أن الديمقراطية تقوم علي الحرية الفردية، فإن الطائفية تقوم علي الإنقياد الأعمي، والتسليم التام، لزعماء الطائفة.. وقد كان الصادق، وحزبه، وطائفته، يسوقون المواطنين البسطاء (بالإشارة) ليصوتوا للنواب المصدرين من المدن.. حيث فشلوا في الفوز في مناطق الوعي.. الي الدوائر الإقليمية..
و العمل الذي قام به الصادق، وطائفته، من إخلاء لدائرة إنتخابية بإستقالة نائبها، ليتيح للصادق أن يترشح فيها، بعد أن بلغ السن القانونية.. فقد جاء في جريدة (السودان الجديد) الصادرة بتاريخ 7/2/1966 تحت عنوان (الصادق للجمعية التأسيسية) قولها:-
(علمت "السودان الجديد" أن السيد بشري حامد عضو الجمعية التأسيسية عن الدائرة 62 كوستي سيتقدم اليوم بإستقالته من الجمعية.. وعلمت السودان الجديد أن السيد بشري سيتخلي عن هذه الدائرة ليترشح فيها السيد الصادق المهدي رئيس حزب الأمة وفقا لإتفاق سابق مع حزب الأمة).. وقد جاء في جريدة (العلم) الصادرة بتاريخ 17/3/1966 تحت عنوان (الصادق يفوز بالتزكية) قولها: (فاز السيد الصادق المهدي رئيس حزب الأمة بالتزكية في دائرة كوستي 62، والتي قفل فيها الترشيح ظهر أمس.. وربما أدي السيد الصادق القسم بالجمعية التأسيسية خلال الإسبوع القادم..) إنتهي..
هذا العمل من أكبر أساليب تزييف الديمقراطية، ومن أكبر أساليب إمتهان كرامة الناس، وإحتقار عقولهم، وهو إمتهان للنائب المستقيل، وإحتقار للناخبين، وليس في ذلك أمر غريب علي الطائفية ذلك بأن الناس عند الطائفية إنما هم وسائل لزعمائها!! مجرد وسائل!! هذا وبسبب سعي الصادق الي فرض زعامته اختلف مع عمه الهادي، فإنقسم حزب الأمة علي نفسه، وبالمثل إنقسمت الطائفة وتحالف الصادق مع الأخوان المسلمين، ومع حزب سانو، تحت إسم: (مؤتمر القوي الجديدة).. وعندما جرت الإنتخابات الثانية بعد ثورة أكتوبر، سقط الصادق في دائرته الإنتخابية وفاز مرشح جناح الهادي. وبعد التجربة، وبعد أن تأكد للصادق أنه لا يستطيع أن يستمر في زعامته إذا فقد وزنه الطائفي، وعي الدرس وعاد الي عمه فتوحد حزب الأمة، وأعاد الصادق تلك الصورة الشائهة من صور التزييف، والتحايل علي الديمقراطية.. فقد تقرر إخلاء دائرة إنتخابية ليفوز فيها الصادق وقد نشر نبأ هذا القرار بجريدة الصحافة الصادرة بتاريخ 1 ديسمبر 1968 وهذا هو نصه.. (في نبأ لـ (و.أ.م) أن حزب الأمة قد إتخذ قرارا بأن يصبح السيد الصادق المهدي رئيس الحزب عضوا في الجمعية التأسيسية وأضافت الوكالة أن السيد حماد صالح أحمد نائب الدائرة 188 (العجايرة) قد تقرر أن يتقدم بإستقالته من الجمعية في الأسابيع المقبلة حتي يخلي دائرته للسيد الصادق)..
إن مثل هذا السلوك لا حاجة معه الي التدليل علي أن صاحبه طائفي، بل ومن أسوأ أنواع الطائفية، وهو من أكبر الذين زيفوا الديمقراطية، وإنحرفوا بقيمها لتحقيق أغراضهم الشخصية، فبأي وجه من الوجوه يتحدث الصادق المهدي عن الديمقراطية بعد هذا الصنيع البشع؟؟
و لقد شهدت تلك الفترة، بسبب طموح الصادق، ومطامعه في السلطة، العديد من الأزمات السياسية، حتي أنه لا تكاد صحيفة تخلو عناوين صفحاتها الأولي من الحديث عن تلك الأزمات، وبهذه الصورة التي وردت بجريدة الرأي العام الصادرة في يوم 9/7/1966 علي سبيل المثال: فقد جاء العنوان الرئيسي لتلك الجريدة هكذا: (الإسبوع القادم يشهد إستقالة المحجوب وتكوين حكومة الصادق) ثم تحت العنوان جاء (قرر المكتب السياسي لحزب الأمة أن يجتمع يوميا حتي تنتهي الأزمة التي لازمت الحزب لعدة أسابيع).. ولقد إنتهت تلك الأزمة بإسقاط حكومة السيد محمد أحمد محجوب، وإنتخاب الصادق المهدي رئيسا للوزارة، وهو في سن الثلاثين، وكان هذا أول منصب يتولاه، إذا إستثنينا الأشهر التي قضاها بوزارة المالية قبل إنقلاب نوفمبر عام 1958.. ولقد تسبب في إسقاط حكومة محمد أحمد محجوب بعد شهر واحد تقريبا من دخوله الجمعية التأسيسية.. فلقد جاء في مضابط جلسات هذه الجمعية ما يأتي:-
الدورة الأولي
الجلسة رقم 85
الخميس 23/6/1966
أدي السيد الصادق المهدي القسم كنائب في البرلمان.
ثم جاء أيضا:-
الدورة الأولي
الجلسة رقم 103
الأربعاء 27/7/1966
انتخب السيد الصادق المهدي رئيسا للوزارة..