تحديث الطائفية
و من الأساليب التي إتخذتها الطائفية لتضليل الشعب، وللوصول الي أهدافها، محاولة إعطاء نفسها صورة عصرية، وهذا ما تم، ويتم علي يدي السيد الصادق المهدي، الذي ظل دائما يستعمل في أحاديثه، وكتاباته، من الأساليب العصرية، والعبارات المنمقة، والكلمات المستحدثة، ما يحاول به، أن يستر عري زعامته الطائفية.. وهو يلجأ لهذه الأساليب أيضا ليؤكد زعامته داخل طائفة الأنصار، ولينتصر لها علي منافسيها.. ثم هو، بأساليبه هذه، يسعي الي إكتساب شعبية لزعامته خارج دائرة طائفة الأنصار.. والصادق يتحدث بلسانه عن نقد الطائفية، ونقد الجاه الموروث، وهو حديث مكشوف، ما كان ينبغي أن ينطلي علي أحد.. ولكنه، بكل أسف، جاز حتي علي بعض المتعلمين، فالسيد الصادق لولا المجد الموروث، ولولا أنه حفيد زعيم طائفة الأنصار، لما وجد بعض الإهتمام الذي يجده الآن.. فكم من الشباب في بلادنا ممن لهم مثل ثقافته، وقدراته، أو من يتفوقون عليه، ثم لم يسمع عنهم أحد!!
إن الأمر المؤكد، والواضح، إن الصادق طائفي، دما ولحما، وسلوكا وفكرا.. وهو أخطر زعماء الطائفية عندنا، لأنه أكثرهم طموحا - وهذا ما سنوضحه في متن الكتاب.. ولأنه يسعي الي إعطاء الطائفية وجها عصريا، يستر به وجهها القاتم، وحقيقتها المظلمة، ثم هو، فوق كل أولئك، لا يتورع من إتخاذ أي أسلوب لفرض نفوذ طائفته، وتحقيق زعامته.. ويكفي أنه، وبإعترافه، هو الذي دبر أحداث الثاني من يوليو 1976..
و الآن، وقد تمت المصالحة الوطنية، وعاد رجال "الجبهة الوطنية" من السياسيين، وزعماء الطائفية، ومن بينهم الصادق المهدي، فإن الأمر يقتضي منا جميعا وقفة، لتقويم الأوضاع الحاضرة، ولمحاولة إستقراء إحتمالات المستقبل، علي ضوء هذه الأوضاع..
و نحن من جانبنا قد وقفنا الي جانب المصالحة الوطنية.. وشرحنا موقفنا هذا في عدد من كتبنا الأخيرة، ومن بينها كتاب (الصلح خير).. وأشترطنا لجعل المصالحة الوطنية قيمة إيجابية أن ترشد وأوضحنا السبيل الي ترشيدها.. وكان ضمن ما جاء في كتابنا هذا ما نصه: (و إنه لمن المنكر، أشد النكر، علي كل عاقل، حادب، علي مصلحة هذا البلد، وعلي مستقبل هذا الشعب أن يغفل عن مخازي الطائفية، أو أن يحسن الظن بها، إذ هي دائما ومصالح الجماهير علي طرفي نقيض.. والآن، وبعد هذه التجربة الطويلة، كيف نأمنها علي الوفاء بقيم المصالحة؟؟ كيف نأمن إلا تستغل المصالحة الوطنية بالتآمر وبالكيد وبالدسائس لتصل الي السلطة؟؟ وكيف، وهي لا هم لها غير السلطة، بل إنها هي لا تستطيع أن تعيش بغير السلطة؟؟)
(إن هذه أسئلة مهمة، وهي تلح في طلب الإجابة عليها.. وإنه لواضح أنه ليس هناك ما يوقي البلاد من شرها إلا إذا كرسنا جهدنا في سبيل تنوير الشعب، وتوعيته ضد أخطارها، وتحايلها، وإستغلالها له بإسم الدين.. وهذا يقتضي أن نعمل علي تصفيتها عملا شريفا، وفي وضح النهار، وأن يكون لها نفس الحق في مواجهتنا، ودفع إتهاماتنا.. علي أن يكون مفهوما، وواضحا، أنه ليس في هذا العمل إساءة الي أحد، وإنما فيه الحرص الأكيد، علي الشعب، وعلي صون مكاسبه من الضياع..)
و قد إقترحنا لترشيد المصالحة الوطنية قيام المنابر الحرة، كسبيل لتوعية الشعب، وتربيته، حتي يتأمن ضد الخطر الطائفي والذي أصبح الآن ماثلا بصورة أكبر مما كان عليه في أي وقت مضي..
و نحن، في هذا الكتاب، إنما نرمي الي مواصلة عملنا في توعية الشعب، وكشف خطر الطائفية الماحق، والمتمثل في طموح، وتطلعات، زعيمها الصادق المهدي، هذا هو الخطر الذي يهدد بلادنا، والذي يمكن أن يؤدي الي المزيد من عدم الإستقرار، والمزيد من التضحيات بالمال والرجال، إذا لم ننتبه، ونتحصن، ضده بالوعي، وبالمسئولية.. ونحن في مواجهتنا للصادق المهدي، ليست لنا عداوة خاصة معه، ولا نحن نحاربه في شخصه، بل إن شخصه لموضع حبنا، ولكننا إنما نحارب فيه غروره، وسعيه الطموح للتمكين لزعامته، وسيادة طائفته، علي حساب شعبنا، وعلي حساب تقدمه، ونهضته الدينية والسياسية والإقتصادية.. ونحن إنما نفعل ذلك في موضوعية، لا تحيد عن الحق، ولا تجامل علي حساب مكتسبات الأمة ومستقبل الأمة.. ونستعمل من العبارات ما يؤكد المعاني التي نريدها في غير شطط، ولا مداهنة..
و نحن، في كتابنا هذا، إنما نعتمد علي مواقف الصادق السياسية، والكتب التي أصدرها مؤخرا، ومن بينها كتاب: (يسألونك عن المهدية).. هذا الي جانب تصريحاته، ومقابلاته الصحفية، ومن بينها المقابلة التي أجرتها معه مؤخرا صحيفة (القبس) الكويتية.. ثم هنالك ما ورد في الصحافة السودانية.. فنحن نأخذ المعلومات الضرورية عن هذه المصادر ونحللها في أسلوب علمي، وموضوعي، لا يقفز الي النتائج، وإنما يستخلصها من مقدماتها الصحيحة..
و قد تأكد لنا من دراسة هذه المصادر، أن الخطر الكبير، والماحق، المحدق ببلادنا، إنما يأتي من طموح السيد الصادق، ذلك الطموح الذي ذهب به الي التفكير، والعمل، علي بعث المهدية من جديد، تحت (قيادة ملهمة).. ومعلوم أن هذه (القيادة الملهمة) إن هي إلا قيادته هو.. (يخشي أن تكون هذه العبارة بداية إدعاء الحق المقدس..)
و الصادق يعتقد أن هذا البعث حتمي الحدوث.. ويبدو أنه في كتاباته الأخيرة قد وضع تصورا متكاملا للبعث الذي ينادي به.. وكل الدلائل تشير الي أن تقديرات الصادق تؤكد له أن وقت التنفيذ قد حان، والظروف الموضوعية قد نضجت له.. خصوصا أن المنافس الأول للسيد الصادق علي زعامة طائفة الأنصار قد ذهب بذهاب عمه السيد الهادي.. ثم إن عددا من زعماء الأحزاب الأخري المنافسة للأنصار قد مضوا.. فلم يبق أمام الصادق الا بعض العقبات التي يعمل علي إزالتها بالأساليب المختلفة، وهو لا يري الا أن الزمن يعمل لصالحه.
و هذا الوضع الخطير، والذي ستتضح أبعاده بصورة جلية عند قراءة متن الكتاب، يقتضي من أفراد شعبنا عامة، والمثقفين منهم بصورة خاصة، التحلي بروح اليقظة والمسئولية، حتي لا تدفع بلادنا أكثر مما دفعت، من مقدراتها، ومن دماء أبنائها، في سبيل زعامة المتزعمين، وطموح الطامحين..