إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search

الصادق المهدي!! والقيادة الملهمة!! والحق المقدس؟!

المهدية


لقد أفرد السيد الصادق كتابا تحدث فيه عن المهدية أسماه: (يسألونك عن المهدية).. وقد تحدث في صدر الكتاب عن إختلاف المسلمين منذ عهد سيدنا أبي بكر- أسبابه وكيفيته.. وتحدث عن الفرق الإسلامية المختلفة، ثم تناول الحديث عن المهدية في الإسلام، مبينا أصول فكرة المهدية، وتاريخها، ومواقف بعض الفرق الإسلامية منها، كالشيعة، والمتصوفة.. ثم تحدث عن بعض من أدعوا المهدية.. ثم خلص الي الحديث عن المهدية في السودان.. وهو موضوع الكتاب الأساسي، فأرخ لها من الجوانب المختلفة، وحاول أن يدلل علي أن محمد أحمد هو المهدي، وأفرد فصلا لما أسماه شبهات حول المهدية، حاول فيه الرد علي النقد الذي وجه للمهدية، موردا بعضه ومتغاضيا عن البعض الآخر.. ثم إتجه الي الحديث عن آثار المهدية، وعن الأنصار: (الباقون علي الإيمان بها).. وكان آخر أبواب الكتاب هو موضوع البعث الإسلامي، الذي هو خلاصة الكتاب، والغرض الأساسي من وضعه..
فالصادق لم يكتب عن المهدية كمؤرخ، يتفق الناس، أو يختلفون، مع تقويمه لها.. وإنما كتب كداعية تغيير، داعية بعث إسلامي جديد، هو، في حد ذاته بعث للمهدية.. وهو يري أن التغيير الصحيح لا يتم الا بعد الإلمام بخلفية المجتمعات المراد إنهاضها.. وفي نظره أن خلفية مجتمعنا السوداني التي ينبغي أن يعني بدراستها القائد، والمفكر الذي يخطط لمستقبل شعبه، هي المهدية.. ولهذا كتب الصادق كتابه.. فهو يري أن: (الذين يزرعون دون معرفة المناخ وتحليل التربة وإحصاء مقوماتها إنما يعبثون)..
و الآن فلنستمع إليه يتحدث عن كتابه في صفحة 18 منه فيقول: (أما الكتاب الحالي فإنه مع حرصه علي الموضوعية مكتوب عن الدعوة المهدية من ناحية الإعتقاد والفكر وحدهما، ومن داخل الدعوة.. وهذا المؤلف وغيره مما ذكرنا آنفا ذو أهمية بالغة لأننا مهما شغلنا أنفسنا بحركات التقدم الإجتماعي لن نخبر أمرها إلا إذا تيسر لنا الإلمام بخلفية المجتمعات المراد إنهاضها. إن كثيرا من القادة والمفكرين يخططون لمستقبل شعوبهم إستنادا الي تحليلات مستمدة عن أحوال مجتمعات غريبة عنها تماما، إذا لم نحلل واقعنا ونلم بماهية وحداته الإجتماعية التليدة والطارفة فكيف نطمع أن نخطط لتحرك إجتماعي ناجح؟؟ إن الذين يزرعون دون معرفة المناخ وتحليل التربة وإحصاء مقوماتها إنما يعبثون).
إذن فإن غرض الكتاب لم يكن مجرد دراسة تاريخ المهدية وإنما هو دراسة الخلفية بغرض الإعداد للمهدية الجديدة..

المهدية لم تمت!!


و الصادق يري أنه علي الرغم من هزيمة دولة المهدية عسكريا، وعلي الرغم من محاولات الحكم الثنائي في القضاء عليها، إلا أنها لم تمت.. بل ظلت حية في قلوب الأنصار.. فلنستمع إليه يتحدث عن ذلك في صفحة 113: (و بأنها خلافا لكل الدعوات المهدية الأخري عندما دالت دولتها وهزمت عسكريا لم تدفن مع أجداث الشهداء بل تحصنت في قلوب الجرحي والأسري والشيوخ والنساء والأطفال وبقيت حية.. وبالرغم من أن الغزاة وجهوا ضدها حربا نفسية هدفها تدمير الدعوة نهائيا في قلوب الأفراد ونظم الجماعات، لم يلحق بها الدمار بل ظلت عامرة في القلوب، الي أن أنبعثت مرة أخري).. وفي صفحة 239 يتناول هذا الموضوع بقوله: (إن دعوة المهدي لم تمت بعد الغزو الثنائي وإستشهاد خليفة المهدي والخليفة علي ود حلو والخليفة شريف وأبناء المهدي والأمراء بل عاشت في الضمائر وتحصنت في القلوب). ويري الصادق أن المهدية ظلت في القلوب الي أن قيض الله لها السيد عبد الرحمن فعمل علي بعثها حسب مقتضيات عصره، فإنه كما يقول المهدي (لكل وقت ومقام حال، ولكل زمان وأوان رجال).. والصادق يتحدث عن هذا الموضوع في صفحة 241 من كتابه فيقول: (و بالصبر الطويل والمعاناة إستطاع السيد عبد الرحمن أن يصبح زعيما فعليا لبقايا الأنصار فوثقوا به وسلموه زمامهم. وبعد صبر ومصابرة بدأ يجدد معهم بيعة الإمام المهدي مخططا نهجا جديدا). وفي صفحة 142 يقول أيضا عن السيد عبد الرحمن: (إنه جاري أحوال الزمن المحيط به، وحفظ دعوة المهدي في جوهرها، وحفظ للأنصار سلامة العبادات وإتباع الأثر، وحفظ روحهم الفدائية كما هي.. هكذا كتب للأنصار عمر جديد وأستيقظت في نفوسهم جذوة الدعوة المهدية).. ونرجو أن يلاحظ القاريء عبارة (و حفظ روحهم الفدائية كما هي) فإن الصادق يعول علي هذه الروح الفدائية كثيرا كما سنري!!