الإسلام ومبدأ السلام العالمي
وهذا القدر القليل الذي سقناه يدحض نقل الدكتور مصطفى المخل، وتخريجه الخاطئ، وتحليله الضعيف.. فإنه لا صلة بين ما سقناه وبين قوله:
"إن هذا القول يؤدي إلى نسخ رسالة النبي صلى الله عليه وسلم واحلال رسالة أخرى محلها وأن هذه الرسالة الجديدة ـ بتحليل كلامه تتلاقى مع التعاليم الشيوعية بإرساء مبدأ السلام العالمي على أساس قوله تعالى: ((لا إكراه في الدين)) وإلغاء الحكومات على أساس قوله ((لست عليهم بمسيطر)) وإلغاء الزكاة والملكية الخاصة بأدلة ذكروها"
ألا يكفي هذا القول، الذي قاله الدكتور وصفي، تهافتا،ً أنه يعطي الشيوعية فضيلة لا تستأهلها، ولا تملك أدواتها: "إرساء مبدأ السلام العالمي".. إن الدكتور وصفي يجرد الإسلام من ميزته التي لا يطاوله فيها متطاول.. وتلك هي ميزة تحقيق السلام.. ألم يسمع قوله تعالى ((سلام قولاً من رب رحيم)).. إن الشيوعية تريد سلاماً يقوم على الاذعان والخضوع لها، إذا تم لها حلمها في بلشفة العالم.. ولكن السلام الذي يريده الإسلام، ويملك القدرة على تحقيقه، هو ما تحدث عنه الاستاذ محمود محمد طه في كتاب "رسالة الصلاة" ص 58 الطبعة السادسة ما يلي:
"والسلام الذي بدأنا بذكره توطئة هذا البحث لا يحل على الأرض إلا إذا بلغ كل فرد أن يكون في سلام مع نفسه، فإن النزاع المسلح، وغير المسلح، بين الجماعات، إن هو إلا صورة للصراع الداخلي في كل بنية فردية على حدتها"..
"والفرد الذي يحقق السلام مع نفسه هو المسلم الذي قال عنه المعصوم ((المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده)) و ((المسلمون)) هنا تفهم بالمعنى العام، وتعني الناس كلهم، فالمسلم تسلم كل الخلائق من لسانه ويده ومن خواطر ضميره المغيب"..
الشيوعية لا تحقق السلام
إن العيب ليس في دعوة الشيوعية للسلام العالمي، ولكن العيب في نهجها لتحقيق هذا السلام، والنتيجة التي يؤدي إليها هذا النهج، وهي كما قلنا، لن تكون سلاماً، وإنما خنوعاً وانسياقاً مع القطيع.. والإسلام أصيل في دعوته للسلام ولديه المنهاج الفردي والجماعي الذي يحقق السلام فماذا يعيب علينا، إذن الدكتور وصفي، الذي اهتدى بعد جهد وتحليل إلى أننا نعمل لإرساء مبدأ السلام العالمي؟
المعارضون لا يعارضون أفكارنا
إن الدكتور وصفي لم يعط نفسه، من الأناة والصبر ليفهم ما نقوله على وجهه الذي نريد، ولذلك انتهى إلى نتائج خاطئة، وهذه هي علة كل معارضي فكرتنا من الفقهاء.. فهم لا يعارضون حقاً ما نقول، وإنما يعارضون أوهاماً يتوهمونها عنا.. ومن الأمثلة على ذلك أن الدكتور وصفي، في رده على مقال عوض الكريم، أخطأ فهم قولنا بأن الإسلام في الرسالة الثانية منه تقوم الدعوة إليه على مستوى الاسماح، على قاعدة الآية: ((ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن.. إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله، وهو أعلم بالمهتدين)).. فلا يشهر السيف في وجه أحد، من أجل أن يسلم.. فقال الدكتور وصفي وهو يحسب نفسه ينقض هذا القول: "وهل يستساغ مثلا أن نقول لا قتال وهذه اسرائيل قد أهدرت دماء دار الإسلام واعتدت على حرمات المسلمين، ونقول: أن هذا ليس وقت القتال للدين بل السماح فيه؟" فهو لم يفرِّق بين رد الاعتداء، حالة اعتداء دولة ما على دولة أخرى، وبين إشهار السيف في سبيل نشر الدعوة الإسلامية.. وفرق كبير بين الأمرين..