إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..
هل كان نميري معجباً بمحمود محمد طه؟ (7-9)
الانتباهة بتاريخ 30 يناير 2013
وأما شريعة الأحوال الشخصية، فكانت مجالاً رحباً للاجتهادات الجمهورية، حيث شغل الحديث عن المرأة حيزاً واسعاً في أدب الحزب. وللجمهوريين ما يزيد على العشرة كتيبات في هذا الموضوع.
وأما أهم أطروحاتهم في هذا المجال فإسقاط قوامة الرجال على النساء، والدعوة إلى المساواة الكاملة بين الجنسين في الشهادة والميراث وغير ذلك، والزعم بأن تعدد الزوجات ليس أصلاً في الإسلام، وأن الطلاق ليس أصلاً في الإسلام، وأن الحجاب ليس أصلاً في الإسلام. بالنسبة للقوامة يزعم الجمهوريون أن آية القوامة وهي آية: «الرجال قوامون على النساء» من سورة النساء إنما نسخت بآية البقرة: «ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف». يقولون ذلك وهم يتجاهلون حقيقة أن آية البقرة هذه آية مدنية، فكيف يعتمدون عليها وهي حسب توصيفهم المنهجي واحدة من آيات الفروع؟ ثم إن القوامة المشار إليها هنا لا تعني قوامة الرجل مطلق الرجل على كل النساء، وإنما هي قوامة الرجل على زوجته، وهي قوامة في نطاق الزوجية، ولو أرادت المرأة أن تفض هذه القوامة فما عليها إلا أن تفض علاقة الزوجية فتتحرر من تلك العلاقة.
إن المرأة المسلمة في كل حال لها الحرية الكاملة في الارتباط بالزوج. ولها الحرية الكاملة في التصرف فيما تملك بدون قوامة على ممتلكاتها، من أب أو أخ أو زوج، فلها أن تبيع ما تملك أو تؤجره أو ترهنه أو تهبه، ولها حق العلم وحق المشاركة في المجتمع، ولا تعوقها قوامة الرجل عن ممارسة هذه الحريات. فلماذا هذا الحرص على رفض مبدأ القوامة من جانب الجمهوريين؟، إن القوامة لا تعدو أن تكون رئاسة للأسرة لا يمكن أن تعطى للزوجة، ولا أن يشترك فيها الزوجان، وإنما يتولاها الزوج وحسب. وأما الطلاق فلا يقول أحد إنه أمر محبوب أو مندوب، فهو حلال بغيض إلى الله، وهو حق يُساء استخدامه بالفعل من جانب البعض. ولكن ليس كل حق يصادر إذا أسيء استخدامه، تماماً كما لا تصادر الحرية إذا أساء البعض استخدامها. إن الطلاق حق مكفول لتصحيح الاختيار، وإنهاء العلاقة المضطربة التي يحسن ألا تستمر.
يقول محمود محمد طه إن الصحابة رضوان الله عليهم لم يكن: «نور الإيمان كافياً لهم لتمام التسديد في الاختيار في الزواج، ولكننا نحن اليوم نستقبل مزيداً من النور كل يوم، ومتى أشرقت شمس الإسلام لا يقع أحد في خطأ اختيار الزوج، ومن ثم تنعدم الحاجة إلى الطلاق، فالنظائر قد التقت بالنظائر، والشكول قد ضمت إلى الشكول، «قد علم كل أناس مشربهم». وهكذا فالإنسان منذ عهد آدم وحتى الآن كان يبحث عن زوجه، «وطفقا يبحثان: آدم عن حواء وحواء عن آدم، وبعد لأي وجد آدم حواء، ووجدت حواء آدم، ولم تجده». «راجع: الرسالة الثانية من الإسلام، ص 130».
وأما في عهد الرسالة الثانية التي سيبتدرها الجمهوريون، فسيجد كل إنسان زوجه بلا تعب ولا عناء، ولن يحدث خطأ أبداً في الاختيار ومن ثم لا يحتاج أحد إلى الطلاق!! وما أشبه ما سيق للتدليل على إمكان منال ذلك باللغو البارد المكرور في فتوحات ابن عربي الشيطانية!
وأما تعدد الزوجات، فقد تعرض له محمود في كتاب «الرسالة الثانية من الإسلام»، وأوجب منعه قائلاً : «إن ذلك المنع يلتمس في قول الله تعالى: «فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة» وقوله تعالى: «ولن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم»، وقال إن حكم التعدد إنما كان مرحلة انتقالية إلى فترة تحريم التعدد بتاتاً... وذلك لأن القوم ما كانوا وقتها قادرين على تنفيذ الحكم!!» ودعك من زعم أن الصحابة ما كانوا قادرين على تنفيذ الحكم، ولنناقش المبدأ نفسه، مبدأ التعدد، هل شرع لحكمة أم لا؟ ألا يكون تعدد الزوجات حلاً لمشكلة زيادة عدد النساء على الرجال بنسبة هائلة كما حدث في أوربا مثلاً في أعقاب الحرب العالمية الثانية، حيث أصبح أكثر من العشرين مليون أرملة بلا أزواج، أفيكون التعدد هو الحل الأفضل؟ أم تصبح هؤلاء النساء راهبات؟ إن الأفضل بالتأكيد ليس هو الحل الأسهل الذي لجأت إليه أوربا، وهو الفساد الاجتماعي، وإباحة تعدد العشيقات، لا تعدد الزوجات. إن الحل الأسهل الذي لجأت إليه أوربا واستمرأته حتى بعدما زال الدافع إليه ظل يولد أسوأ العواقب على محيط تلك المجتمعات.
وثمة حالات أخرى شائعة مثل العقم والمرض وغيرها إما أن يصبر عليها الزوج وإما يباح له التعدد، فإن لم يصبر على هذه الحالات فإما التعدد وإما الفساد، والإسلام دين واقعي لا يرهق الإنسان بمثالية لا طائل من ورائها وسرعان ما يعجز عن تمثلها الإنسان.
وهكذا فواضح أن موقف الجمهوريين من الشريعة التي يعرفها كل المسلمين هو موقف الرفض، والإصرار على «تطوير» هذه الشريعة من مستوى القرن السابع إلى القرن العشرين الذي ولى الآن! والعمل على خلطها في ذات الوقت ببعض أفكار التحرر والإشتراكية الحديثة. ولذلك فلم يكن منتظراً إلا أن يصعدوا حملة هائلة ضد أي دعوة لتطبيق الشريعة والحدود.
لماذا فشل الجمهوريون في السودان؟!