إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search

هل كان نميري معجباً بمحمود محمد طه؟

د. محمد وقيع الله


مقال من تسع حلقات نشرتها "الإنتباهة"

هل كان نميري معجباً بمحمود محمد طه؟ (9-9)
الانتباهة بتاريخ 2 فبراير 2013



ألقت بالجمهوريين حماقاتهم في السجن المايوي، الذي قضوا فيه نحو عام، ثم أُطلق سراحهم في عفو جزئي، شمل بعض السياسيين المعارضين.
ولكنهم ما إن تنفسوا الصعداء، حتى عبأوا أنفسهم من جديد للتصدي لحملة إنفاذ الشريعة الإسلامية التي أعلن تطبيقها في الوقت الذي كانوا مغيبين فيه في السجن، فسيروا مواكب حاشدة من الرجال والنساء ظلت تطوف لأكثر من أسبوع كامل، توزع المنشورات التي تتهم الشريعة: «قد هددت وحدة البلاد وقسمت هذا الشعب في الشمال والجنوب وذلك بما أثارته من حساسية دينية كانت من العوامل الأساسية التي أدت إلى تفاقم مشكلة الجنوب»، وتتهم قضاة الشرع بعدم الكفاءة العلمية، وبالضعف الأخلاقي، وأن تطبيق الشريعة سيجر على الشعب فترة ظلامية خانقة شبيهة بحياة العصور الوسطى.
«راجع بقية التهم في منشور «هذا.. أو الطوفان»!! الذي أصدره الإخوان الجمهوريون، بأم درمان، بتاريخ 25 ديسمبر 1984م».
وأخيراً وقعوا في شرور عواقب أعمالهم، حيث اعتُقلوا وقُدِّموا للمحاكمة، وحكم بالإعدام على زعيم الحزب، أربعة من أتباعه وبينما أمهل الأتباع شهراً حتى يراجعوا أنفسهم، نفذ الحكم في اليوم التالي في الزعيم أمام الجماهير وبحضور القضاة، ورئيس القضاة وحملت جثته على متن طائرة لتدفن في مكان غير معروف. وأعلن الأتباع الأربعة، وفيهم تابع لمدة ثلاثين عاماً لمحمود، توبتهم في اليوم الأخير من أيام الإمهال، وأطلق سراحهم بعد هذا الإعلان.

مستقبل الحركة


يرى كثير من المراقبين أن إعدام زعيم الجمهوريين قد أسدل الستار على نشاطات أكثر الطوائف الآيدولوجية نشاطاً وحيوية، واهتماماً بالطرح الفكري والجدل، وهي طائفة الجمهوريين.
والحق إنهم كانوا كذلك، فقد كانوا يواصلون دعوتهم بلا كلل ولا ملل، وفي صبر واحتمال عجيبين. ولا شك أن جهد الواحد منهم كان يساوي جهد عشرين عاملاً في الحركات الآيدولوجية الأخرى، والآن فقد اختفى هذا النشاط، ولكن هل سينتهي هذا النشاط إلى الأبد، أم سيتخذ مسارب أخرى؟ هذا هو السؤال!!
كان الجمهوريون يراهنون علناً أن زعيمهم لن يموت حتى يقيم دولته، وتعم فكرته الآفاق، وقد زخرت أشعارهم وأفكارهم بهذا المعنى، ولذلك فقد أُصيبوا بصدمة عنيفة من جراء الإعدام، وبدوا مذهولين وكأنهم غير مصدقين لما وقع، رغم أنهم رأوه رأي العين وقد توقفوا عن الجدل العلني منذ ذلك اليوم وأعلن بعضهم عن ردتهم عن الفكر الجمهوري، كما أعلن بعضهم أنه قد بدأ يعيد النظر في إيمانه وولائه لتلك الأفكار.
وقد رأى مراقبون آخرون أن إعدام محمود محمد طه، في سبيل مذهبه، ربما زاد من قداسته في نظر أتباعه، وربما زادت هذه الحادثة من إيمان الجمهوريين بالفكرة والزعيم، ولا سيما أن الزعيم لم يتزعزع قط، لا في المحكمة التي رفض التعاون معها، وابتسم لها ساخراً حينما نطقت بالحكم، ولا في منصة الإعدام التي تقدم إليها رابط الجأش.

إفادة البروفسور شوقي بشير


وقد ذكر البروفيسور شوقي بشير، أن الجمهوريين انطلاقاً من إيمانهم بنظرية التطور وعقيدتهم في وحدة الوجود المادي، ربما رأوا في موت الزعيم مرحلة من مراحل السعي في سلسلة الوجود، وبداية لدورة جديدة لجسمه حيث تسعى أجزاؤه للوصول للكمال المطلق.
إن الجمهوريين يؤمنون بأن عمل الإنسان لا ينقطع بالموت، وأن الإنسان قد يصل إلى نقطة «الوصول»، في خلال حياته، أو عند موته، أو بعد الموت. وفي هذه الحالة فإن اختفاء الزعيم لن يُحدث تأثيراً سلبياً على دعوته، وسيظل هو يكافح وهو ميت، كما سيواصلون هم الكفاح في كل الأحوال!
إن دعوة بهذا التعقيد الفكري، والتصميم الحركي، جديرة بأن تصبح محط أنظار أعداء الإسلام في كل مكان، ولذلك فقد رشحوها بديلاً لحركات الدعوة الإسلامية في أعقاب الحادي عشر من سبتمبر 2001 م، وعملوا على تلميعها وانتزاع شهادات التزكية لها من مختلف الأوساط الفكرية الاستشراقية وأوساط عملاء اليسار الماركسي المستخدمين أمريكيا في الوقت الحالي.
وفي الأيام القادمة سنرى.