(حادث رفاعة: أنا مشيت مشية عابرة لعزاء هناك.. بعدين الناس طبعا كانوا اتسامعوا بسجنى الأولانى بمناسبة قانون الخفاض الفرعونى ، فلما سجنت المرأة، ما بعرفهم أنا، جوا فى الفراش وسألوا عنى وحكوا لى.. قالوا لى نحن عندنا بتنا أرملة، خرجت من الحبس على زوجها، لتوها، وطهرت بنتها، وفى وشاية مشت للسلطات، والسلطات اعتقلتها وختتها فى السجن ، وكان دا يوم جمعة.. أنا كتبت جواب لمفتش المركز أنه أنا عايز أقابله.. فى بعض الاخوان من رؤساء اللجان الفرعية للاحزاب الموجودين فى رفاعة قالوا أنهم يضموا اسماءهم لى إسمى فى المبادرة.. فقابلنا المفتش وكلمناه بالموضوع دا وكانوا الناس كتيرين فى الأبواب وزاحمين عليه مكتبه، فشوش كده، وقال هو راح يطلق سراحها لغاية ما تظهر نتيجة الإستئناف لأنه فى استئناف ساير، فأطلقها.. هو تاريهو فى الأثناء دا بتشاور مع مدير النيل الأزرق بمدنى.. نحن افتكرنا إنو ما برجع ليها، لكن بعد شوية، نحن قاعدين تلاتة أربعة يوم مضت، افتكر كان يوم خميس، الخميس البعد الجمعة دى، كان زى أعادوها للسجن.. مدير النيل الأزرق، اسمه روس بيرز، كلم المفتش .. المفتش، كان اسمه باستر بول، قال ليهو ناس رفاعة ديل هراشين ساى ونفاخين أنا افتكر ما بقدرو يعملوا حاجة، انت اعيد المراة للسجن..اعادوا المرأة للسجن وجوا كلمونى وقلت ليهم فى الجمعة راح يكون فى حديث.. مشينا صلينا الجمعة فى جامع رفاعة وكانت فى خطبة بعد الصلاة.. الموضوع دا بطبيعة الحال حساس ونحن قدرنا نلمسه.. فالناس خرجوا من المسجد، مشوا للسجن طوالى فكوا المرأة ، وملوا السجن.. المفتش يومه داك - وهو مفتش رفاعة والحصاحيصا – قعد فى الحصاحيصا. فى نائب مامور اتصل بيهو وقال ليهو الجماعة ديل عملوا وعملوا ، وقال ليهو سيب المرأة وسيبهم يمشو خلاص.. هو قال ليهو الناس ملوا المركز وقالوا يقعدوا هم بدل المرأة والمرأة تقعد فى بيتها ما تجى.. وهو قال ليهو الناس يمشوا والمرأة تسيبوها.. دا كان يوم الجمعة العصر.. الناس مشوا.. برضو اتشاور مع المدير.. المدير قال ليهو المرأة تاخدوها نص الليل وتعدوها الحصاحيصا وتجيبوها لينا نحن هنا فى مدنى.. فكان ليلة السبت عملو العملية دى.. المرأة فى الليل جوا كلموا أخوها وقالوا ليهو: الناس ديل بورطوك وبورطوا اختك بس، نحن بنفتكر أنو البنت دى لابد تقضى مدة السجن ومن المصلحة ليكم انتو فى بيتكم لأنها تقضيها وتمرق.. فجيبها لينا، نحن عربيتنا بتكون واقفة فى المحلة الفلانية.. مشو زى السرقوها كدة، طلعوها من جنب بيتها وبعدين العربية دورت ومشت بيها وعدوها فى الليل.. فى الصباح بدرى جونى الناس فى الديم.. قالوا أنو البنت أخدوها فى الليل.. أخدها العمدة بتعليمات من المفتش والمدير.. نحن مشينا للسوق وحركنا المدارس انهم يمشوا الحصاحيصا وكان الفيضان الشاذ بتاع سنة 46 .. المفتش سحب المراكب من البر البقابلنا نحن للبر الغربى اللى بيلى الحصاحيصا.. الناس مشوا المشرع ما لقوا مراكب، جوا تلاتة أربعة بى عربية للديم – المحلة النحن قاعدين فيها القلت ضاحية ولو أنها من رفاعة – فى مشرعها فى مراكب، فقاموا الناس طلقوا المراكب دى وخلوها عايمة فى البحر لغاية ماجات في رفاعة، قبضوها الناس العندهم مهارة فى الموضوع دا.. وركبوا فيها الناس وعدوا بى هناك وحاصروا المركز.. فيهو المفتش، المفتش كان بتصل بالمدير، أنو الناس وصلوا ومصرين على أنو المرأة ترجع وفى هياج كبير.. نائب المدير، هو روس بيرز أخد كمندان البوليس وجاء ومعاهم عدد من البوليس بعصيهم والدرق بتاعة السعف دى، بعدين لقوا عدد كبير بالمرة.. حتى الحاجة السمعناها أنو روس بيرز قال للكمندان أنو يضرب الناس.. قال ليهو أنا ماعندى قوة كافية لأضرب الناس، ولحسن التوفيق ماكانت فى القنابل المسيلة للدموع، فحكاية عصيهم ودرقهم بتاع السعف ما ينفع بى حاجة، وكونه عايز يضرب لازم يضرب فى المليان بالرصاص ، فخالف أمره.. بعدين الناس حاصروا المركز والمكتب الفيهو المدير والكمندان والمفتش، بقو التلاتة جوه، بعدين نحن جينا ودخلنا عليهم.. فكان حاولوا يتجنبونى أنا فى الكلام، عارفين الحكاية ، حتى يعنى عمى ووالد زوجتى – شيخ لطفى عليه رحمة الله – فروس بيرز قال لى خلى نسيبك يتكلم.. قلت ليه: سيب المسألة دى.. هو كان فى عدد كبير من الشياب، كان بفتكر أنو بقدر يؤثر على الشياب بأنه يرجعوا الناس وهم يشوفو لغاية ما ينظرو فى الإستئناف أو يعنى كلام ما قالو لكن كانت فى نيتو أنو يستطيع أن يتكلم معاهم بالصورة دى.. نحن بطبيعة الحال شعرنا أنو راح يفشل اجتماع الناس فاتصعد الحماس طوالى بكلمة مننا من هنا وكلمة من هنا.. لمن الساعة اتنين جات وهو كان برضو عندو أمل فى الموضوع دا وكان يطلب موية الموية يحموها اياه، يحجزوها منه و يشربوها الناس، جات جبنة، حموها اياه شربوها الناس.. بعدين اتوتر، بعد شوية الناس ملخوا فروع الشجر وبدوا يضربوا فى الشبابيك والأبواب والقزاز والدواليب وبقت هيجة عجيبة.. فى اللحظة ديك هو عرف أنو الموضوع دا لازم ينهيهو فاتناول التلفون وكلم السجن، قال لضابط السجن تجيب البنت انت بنفسك وتجى.. زى الساعة اتنين ونص أو تلاتة بعد الضهر جابوا البنت وسلموها لناس رفاعة ورجعوا بيها.. دا كان يوم السبت.. فى الوكت داك هو طلب قوة من الجيش تقوم من الخرطوم، تجى تحيط رفاعة كلها، وقوة من البوليس ليقضى علينا نحن.. حضّر ليهو قايمة من 12.. كلهم اختارهم من الشبان الصغار ومن الناس بتاعين القهاوى الا أربعة ، خمسة.. عشان هو كان فى نيته أن يقول دا شغب – شغب رفاعة..
ما أحب أن يفهم من كلمتى أنهم اختاروا من الشبان الصغار وبتاعين القهاوى تحقير من الزملاء اللى كانوا معانا فى الحركة دى.. ما كان فيها الا كل انسان كريم وغيور.. لكن قصدت أقول أنه اتجنب أن يذكر الشياب فى كشفه عشان الناس يقولوا أنهم كلهم أحداث وصغار ومنفعلين ولذلك هم أقرب الى الشغب منهم الى الإحتجاج الرشيد.. تمت الإعتقالات فى صبحية السبت داك، فى أغسطس من عام 46.. بعدين بدت محاكمات، كان واضح عندنا أنها جاهزة، فكان نصيبى أنا فيها سنتين، بعدى أظن سنة، تسعة شهور، ستة شهور فى، لكن أنا كان نصيبى سنتين..
بدأ السجن فى مدنى.. ويلاحظ برضو أنو المحكمة كانت زى سجنتنى فى الدرجة التالتة، ما ذكرت معاملة خاصة.. فى مدة الإحتجاز قبل السجن كنت بعامل كسجين درجة تانية.. لكن المحكمة ما ذكرت التمييز دا فكان الاتجاه انو أكون سجين درجة تالتة.. بديت بطبيعة الحال بنفس الاسلوب بتاعى اللى هو الصيام الصمدى فكان سبعة أيام ما فيها أكل ولا شراب لا بالليل ولا بالنهار.. وكانوا بجيبوا الأكل بتاعهم يختوهو، وبعدين يشيلوهو، ويجيبوا الوجبة البعدها والاخوان من برة يتكلمو عن الاضراب عن الطعام لسوء المعاملة.. هم الاخوان الجمهوريين عارفين أنه صيام.. بدت الحركة التانية بالصورة دى بعد السبعة يوم فى اليوم التامن عدلوا السجن الى الدرجة الثانية.. استمريت زى تلاتة شهور فى سجن مدنى، ما فيهو مكان لمساجين الدرجة التانية، فكان فى مكاتبات دايرة بين السلطات فى سجن كوبر وسجن مدنى.. ناس كوبر ما عايزنى للتجربة الماضية.. ناس مدنى ما عندهم فرصة لى لأنهم ما عندهم قسم للسجن درجة تانية، أنا برضو كنت بخلى المسائل صعبة ليهم، بطالب بحمام درجة تانية وبطالب بأشياء زى دى.. فتقرر فى الآخر أنى أجى كوبر، فجيت كوبر وسرت السيرة الأولانية ديك، كانت زى أربعين يوم.. أطلع ليلة واحدة فى الصبحية يودونى الزنزانة مرة تانية استمرت السلسلة بتاعتها زى أربعين يوم.. بعدين كانت التوصية من المديرين الاتنين اللى قبيلك ذكرتهم أنو أحسن حاجة يسيبونى منعزل فى محل براى، ما اختلط بالمساجين التانيين، وما يتعرضوا لى هم بأن أقوم أو أن أعمل العمل المفروض على مساجين الدرجة التانية.. هنا بديت التفرغ فعلا للعبادة ولو أنها هى من السجن الأولانى كانت فى..
العبادة فى حقيقتها بدت من قبل كدة ، يعنى من قبل السجن، لكن فى السجن كان فى تفرغ كبير ليها.. السجن سنتين معناه 18 شهر، لأنه هم فى العادة بيعفو ربع المدة، يعنى سنة السجن تسعة شهور.. لكن حصلت بعض المخالفات لأوامرهم وحصل أنو مسجون من مساجين الدرجة التالتة، وكانوا بجونى كتير، لعله بياخدوا الأكل البيجى بالنهار، لأنو أنا كنت صايم طوالى، باكل العشاء بس، الفطور والغداء هم بياخدوهو والشاى، فواحد منهم ممن نشأت بينى وبينه علاقة وبيجى ينضف الأوضة الأنا فيها وبياكل البتاع دا، حصل ليهو سوء معاملة معينة من السجانين أنا ناصرته بأن كتبت لرئيس القضاء برة.. فمدير السجن استاء – مدير عام السجون – استاء من الحكاية دى وبرضو نوّه لى عن عملى دا، أنه مابجيب نتيجة، لكن انت لازم تعرف انك انت مسجون درجة تانية، مسجون عادى وبتخالف أوامر السجن.. بكرة إذا ما أطعت أوامر السجن أنا باخد منك ربع المدة فى السنة الأولانية – تلاتة شهور.. وطبعا ما كانت فى طاعة للأوامر فأخد تلاتة شهور من المدة بقت السنتين يعنى 21 شهر.. بعد شوية كتبت تانى مذكرة لرئيس القضاء لأنو ما رد على ديك وتمشى بواسطة السجن بطبيعة الحال فنادانى تانى مرة، وقال لى: بكرة اذا ما أطعت الأوامر أنا باخد التلاتة شهور التانية.. فالشاهد أنو السنتين بقن 24 شهر تماما..
فى الأثناء دا ، أيام الزنزانة اللى كانت بتتوالى طوالى فى أوائل الحركة، كان الجمهوريون نشاط جدا فى إثارة الموضوع فى الخارج من سوء المعاملة والإضراب عن الطعام والصحف كانت تكتب.. بعد ماهم فكروا أنو يسيبونى فى سبيلى ويخلوا المسألة تهدأ، زى الجمهوريين هدأوا برضو.. وكان عبدالله رجب كتب عن الحزب الجمهورى قال "وهو حزب نام ولم يمت".. فمرت الأربعة وعشرين شهر، بعدين خرجت فى سنة 48.. اعتكفت برضو تلاتة سنين فى رفاعة، بعدها لما خرجت كان المؤتمر الفيهو البيان اللى قلناه سنة 51 – اكتوبر 51)
(الحزب الجمهوري: قد يكون هذا الحزب من أقدم الأحزاب السياسية ، بحساب الزمن، وهو أول حزب صغير يعمل خارج نطاق النفوذ الطائفي باصرار، بل بمناجزة وصدام واسمه يدل على المنهج الذي انتهجه لمصير السودان.. مؤسس الحزب الجمهوري هو الأستاذ محمود محمد طه الذي كان من أبرز الوجوه الوطنية في مستهل حركة النضال) .. (وقد تعرض محمود للسجن الطويل في خصومات ايجابية مع الانجليز منها حادث "الطهارة الفرعونية" في رفاعة ، وهو حدث اجتماعي رفعه محمود الى مستوى المساس بالدين والوطن).. وقال ما معناه: (إن عزوف الشباب عن الانضمام للحزب سببه جفاف العضوية من ماديات الحياة، وعلى من يرغب فيه عليه أن يحمل عصاه ويضع بطانيته على كتفه على الدوام، ليكون على استعداد ليدخل السجن في أي لحظة!!)..