بسم الله الرحمن الرحيمجريدة الشعب السبت 27/1/1951م
(الذين قال لهم الناس: إن الناس قد جمعوا لكم، فاخشوهم، فزادهم إيمانا، وقالوا: حسبنا الله، ونعم الوكيل)..
صدق الله العظيم
جريدة الشعب – السبت 27/1/1951م
حضرة صاحب جريدة الشعب ص ب 226 الخرطوم..
تحية، وبعد:-
فقد إطلعت، بعددكم السادس، على كلمة من الأخ سعيد يتساءل فيها عني، وقد أعلم أن كثيرا من الأخوان يتساءلون، كما تساءل، فلزمني لهم حق الشكر، ولزمني لهم حق الإيضاح..
عندما نشأ الحزب الجمهوري أخرج، فيما أخرج، منشورين: أحدهما بالعربية: (قل هذه سبيلي)، والآخر بالإنجليزية: ISLAM THE WAY OUT ضمنهما إتجاهه في الدعوة إلى الجمهورية الإسلامية.. ثم أخذ يعارض الحكومة في الطريقة التي شرعت عليها تحارب عادة الخفاض الفرعوني، لأنها طريقة تعرض حياء المرأة السودانية للإبتذال، وعلى الحياء تقوم الأخلاق كلها، والأخلاق هي الدين..
ثم نظرت موضوع الدعوة إلى الإسلام، فإذا أنا لا أعرف عنها بعض ما أحب أن أعرف.. فإن قولك: (الإسلام) كلمة جامعة، قد أسيء فهم مدلولها الحقيقي، لأن الناس قد ألفوا، منذ زمن بعيد، أن تنصرف أذهانهم، عند سماعها، إلى ما عليه الأمم الإسلامية اليوم من تأخر منكر.. وما علموا أن المسلمين اليوم ليسوا على شيء..
فأنت، إذا أردت أن تدعو إلى الإسلام، فإن عليك لأن ترده إلى المعين المصفى الذي منه استقى محمد، وأبوبكر، وعمر.. وإلا فإن الدعوة جعجعة لا طائل تحتها.. ولم تطب نفسي بأن أجعجع..
وبينما أنا في حيرة من أمري إذ قيض الله (مسألة فتاة رفاعة)، تلك المسألة التي سجنت فيها عامين إثنين، ولقد شعرت، حين استقر بي المقام في السجن، أني قد جئت على قدر من ربي، فخلوت إليه.. حتى إذا ما انصرم العامان، وخرجت، شعرت بأني أعلم بعض ما أريد.. ثم لم ألبث، وأنا في طريقي إلى رفاعة، أن أحسست بأن علي لأن أعتكف مدة أخرى، لاستيفاء ما قد بدأ.. وكذلك فعلت..
فهل حبسني ابتغاء المعرفة؟؟
لا والله!! ولا كرامة.. وإنما حبسني العمل لغاية هي أشرف من المعرفة.. غاية ما المعرفة إلا وسيلة إليها.. تلك الغاية هي نفسي التي فقدتها بين ركام الأوهام، والأباطيل.. فإن علي لأن أبحث عنها على هدى القرآن – أريد أن أجدها.. وأريد أن أنشرها.. وأريد أن أكون في سلام معها، قبل أن أدعو غيري إلى الإسلام.. ذلك أمر لا معدى عنه.. فإن فاقد الشيء لا يعطيه.. فهل تريدون أن تعلموا أين أنا من ذلكم الآن؟؟ إذن فاعلموا: إني أشرفت على تلك الغاية، ويوشك أن يستقيم لي أمري على خير ما أحب..
محمود محمد طه
رفاعة
(الحزب الجمهوري ليس حزبا يقوم على التهريج، كما هي العادة المألوفة لدى الأحزاب التي نراها، ونسمع عنها، وإنما هو دعوة إلى فكرة، أولا وقبل كل شيء.. والجمهوريون ارتضوا هذه الفكرة وارتبطوا بها، وعملوا على تحقيقها)ويمضي البيان فيقول:
(وللجهاد الصادق لا بد من الإسلام، ولأسلوب الحكم الصالح لا بد من الإسلام أيضا.. ولو فرضنا جدلا أن هذا التكتل الصناعي الذي تدعو إليه الأحزاب الوطنية حول جلاء الاستعمار فحسب، استطاع أن يخرج الاستعمار لخشينا أن يقودنا إلى حرب أهلية مستطيرة.. فيجب أن نفهم جيدا أن القول بأن الجمعية التأسيسية هي التي تقرر مصيرنا قول مضلل.. ذلك بأننا نحن، منقسمون بين طائفتين كبيرتين بينهما عداء تاريخي، وليس لأي منهما برنامج إيجابي، وإنما برنامج كل منهما الحرص على ألا تنتصر الأخرى.. ولا يمكن أن يكون في مثل هذه الحالة انتخاب حر، ولا ينتظر أن يرضى المهزوم في انتخاب مطعون فيه، عن نتيجته.. ولا يمكن تبعا لذلك، أن يكون هنالك استقرار، وإنما هي الحرب الأهلية والفوضى، والفساد والنكسة)
بسم الله الرحمن الرحيم
(الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم، فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل)
صدق الله العظيم
الإسم: الحزب الجمهوري
الشعار: الحرية لنا ولسوانا
المبدأ: تحقيق العدالة الاجتماعية الشاملة، والحرية الفردية المطلقة
الوسيلة: قيام حكومة سودانية، جمهورية، ديمقراطية، حرة داخل حدود السودان الجغرافية القائمة الى عام 1934م، وذلك بالعمل المتصل:
"أ" الوحدة القومية..
"ب" ترقية الفرد من رجل وامراة..
"ج" محاربة الخوف..
"د" الدعاية للسودان بالعمل الصادق والقول المقتصد..
"و" توطيد العلاقات مع البلاد الاسلامية والبلاد المجاورة بوجه خاص ومع سائر بلاد المعمورة بوجه عام..
العضوية: "أ" لكل سودانى او سودانية بلغت من العمر 18 سنة..
"ب" لكل مواطن ولد بالسودان او كانت اقامته فيه لا تقل عن عشر سنوات لم يغادر خلالها البلاد..
مال الحزب: يصرف مال الحزب فى تحقيق الاغراض التى من اجلها نشا الحزب ..
مذكرة تفسيرية
الحزب الجمهوري، دعوة الى مدنية جديدة، تخلف المدنية الغربية المادية الحاضرة التى أعلنت افلاسها بلسان الحديد والنار، فى هذه الحروب الطواحن التى محقت الارزاق وأزهقت الارواح.. ثم لم تضع أوزارها إلا وقد انطوت الضلوع على حفائظ، تجعل فترة السلام فترة استعداد لمعاودة الصيال من جديد، بصورة أكثر بشاعة وأشد تسعيرا.. والفلسفة الاجتماعية التى تقوم عليها تلك المدنية الجديدة، ديمقراطية اشتراكية، تؤلف بين القيم الروحية وطبائع الوجود المادي تأليفا متناسقا مبرأ على السواء، من تفريط المادية الغربية التى جعلت سعى الانسانية موكلا بمطالب المعدة والجسد، ومن إفراط الروحانية الشرقية التى أقامت فلسفتها على التحقير من كل مجهود يرمي الى تحسين الوجود المادي بين الاحياء.. وطلائع هذه المدنية الجديدة أهل القرآن الذين قال تعالى فيهم (وكذلك جعلناكم أمة وسطا) أى وسط بين تفريط الغرب المادي وإفراط الشرق الروحاني.. ودستور هذه المدنية الجديدة "القرآن" الذى يقوم بحل المسألة التاريخية التى أعيت حكمة الفلاسفة: مسألة التوفيق بين حاجة الفرد الى الحرية الفردية المطلقة وحاجة الجماعة الى العدالة الاجتماعية الشاملة.. وسمة هذه المدنية الجديدة: الانسانية، فإنها ترى أن الأسرة البشرية وحدة، وأن الطبيعة البشرية حيث وجدت فهى بشرية، وأن الحرية، والرفاهية، حق مقدس طبيعى للأسود والأبيض والأحمر والأصفر.. وسيبدا الحزب الجمهورى بتنظيم منزله .. ومنزل الحزب الجمهورى السودان بكامل حدوده الجغرافية القائمة الى عام 1934م، ذلك بأن هذه المدنية الجديدة لابد لها أن تطبق داخل هذه الحدود قبل أن تسترعي انتباه الانسانية اللاغبة، الضاربة فى التيه.. وأول خطوة فى سبيل تطبيقها، إجلاء الاستعمار فى جميع مظاهره إجلاء تاما ناجزا، وسلاحنا فى إجلاء الاستعمار عدم التعاون معه أول الأمر، لنبلغ بعدم التعاون هذا، درجة العصيان المدني آخر الأمر.. فإذا تم ذلك فقد أصبح بقاء الإستعمار ضربا من المحال.. وأما سبيلنا الى تحقيق العصيان المدني، فهو الاستقتال فى سبيل نشر الدعوة حتى تتم لنا الوحدة القومية، بخلق سودان يؤمن بذاتية متميزة، ومصير واحد، يفهم أفراده المسائل العامة على نحو قريب من قريب، فتزول بذلك الفوارق الوضعية من اجتماعية وسياسية، فترتبط اجزاء القطر من شماله، وجنوبه، وشرقه، وغربه، فيصبح كتلة سياسية واجتماعية متحدة المنافع متقاربة الاحساس..)