(أنا محمود محمد طه من مواليد 1909.. ولدت برفاعة قرية الديم تحسب من رفاعة لأنها قريبة منها، ووالدي محمد طه مالك من قبيلة الركابية وكان رجل بيزاول التجارة في حدود ضيقة في القرية - قرية الهجيليج ، قريبة من رفاعة - والزراعة .. وتعليمي بدأ سنة 24 بكتّاب رفاعة واتصل للمدرسة الوسطى .. (المرحلتان تقابلان مرحلة الأساس في الوقت الحاضر)، ثم كلية غردون وكانت دي في الوقت الماضي آخر المراحل .. هي زي مرحلة ثانوية، لكن بتختلف عن الثانويات العليا في الوقت الحاضر بسن الطلبة البيدخلوها، ومستويات التعليم البياخدوها.. وتخرجت سنة 36 من كلية غردون قسم الهندسة.. عملت ستة سنين في هندسة السكة حديد بعطبرة ببعض المناصب من مناصب السكة الحديد.. استقلت سنة 41 وعملت بالعمل الحر من وقتها .. مشاركتي في الحركة الوطنية ماكانت مؤثرة بدور ظاهر، لأنها كانت بتتخذ جانب الفكر أكثر من جانب التنظيم.. والأحزاب اللي كانت بتكون عندها فرصة في المشاركة، هي الأحزاب اللي كانت بتعنى بالتنظيم والسند الشعبي ..
في ناحية النشأة الدينية، الركابية الغالب عليهم الطريق الختمي.. ونحن عندما وعينا، وجدنا أهلنا في إتجاه الطريق الختمي، لكن ماكان في حرص على إقامة الشعائر بتاعة الطريقة بمعنى الليالي والأذكار والمدائح.. لكن كان معلوم عندنا أنهم أهلنا ختمية.. هم الركابية بطبيعتهم متدينين، فكنا بنرى والدنا شديد التدين شديد الوفاء في أعماله، وصلاته بالناس، التجارية بصورة خاصة.. كنا من جدتنا برضو بنشوف حال من التدين كبيرة لاتزال راسخة في أذهاننا، لكن مافيش بيت ديني كنا بنتلقى منه شيء من تعاليم الدين بصورة إنتماء ..
لمن اشتغلت سنة 36 في السكة الحديد، كنت بقوم بأعمال في بداية الأمر في المكتب - مكتب الهندسة.. في سنة 37 نقلت لأنو كان عندنا نشاط في نادي الخريجين في أتبرا "عطبرة".. ماكان اسمه نادي الخريجين كان اسمه نادي السكة الحديد - نادي موظفي السكة حديد السودانيين.. وفي الجانب الآخر قائم نادي السكة حديد للمصريين.. النادي كان كأنو تابع للمصلحة.. رئيس المصلحة - مدير مصلحة السكة الحديد كان رئيس الشرف ليهو.. وكان كبار الموظفين في حكم البيعيّنوا في مناصب النادي.. نحن أحدثنا فيهو سنة 36 و37 ثورة أدبية كبيرة جدا، اقتضت أنو اللجنة تكون منتخبة، وأنو السكة الحديد ما يكون عندها إشراف على النادي وقلبنا الأوضاع فيه.. الناس اللي كانت بتعيّنن السكة الحديد كضباط يشرفوا على إدارة النادي كأنو مصلحة من المصالح غيرناهم، فهذا اقتضى أنو السكة حديد تنقلني من عطبرة الى كسلا.. والنقل كنت بشعر بأنه كيدي .. فيما بعد كانت الخلافات بتكون بيني وبين الموظفين الإنجليز كتيرة.. سنة 41 أنا آثرت أن أستقيل وكان عندي محاولات في النشاط السياسي، وماكان بيستقيم لي أن أباشره وأنا موظف في السكة الحديد.. بخاصة السكة الحديد موظفيها ببكونوا بعيدين من المدن.. وأنا فعلا لمن نقلوني من عطبرة لكسلا، نقلوني لأكون في الخط في المحطات - محطات ميتة، وقررت في الوقت داك أن أستقيل.. مشيت تلاتة أربعة سنين بعدها وفعلا كنت زي بشعر كأنو في محاولة إبعاد لي .. نقلوني لعطبرة لخلاف نشأ بيني وبين كبير المهندسين في كسلا، بعدين ودوني لخط جديد لأمده مع الناس البمدوه لجهة تسني في أثناء الحرب، ثم لما انتهيت منه انتدبت لأمد خط من حلفا لفرس، ثم لما انتهيت منه انتدبت لأمد خط من ربك للجبلين، وفي دا اعترضت.. وكان الخلاف ومنه استقلت..)
(فى اعتبارات، فى حركة 24 فى إعتبارات حقها تاخذ وزنها.. نحن على طول المدى كانت عندنا دعوة لإنشاء علاقة بمصر، فى مستوى من المستويات.. والأحزاب الإتحادية كانت هى الاحزاب الأثرت على مجرى تاريخ السودان الأخير فى نضاله ضد الاستعمار.. كانت أقوى من الأحزاب الاستقلالية.. الصلة دى مع مصر، فيما بعد، بعد خروج الأحزاب من مؤتمر الخريجين، ظهر انها وسيلة لغاية، وأنو الناس اللى بيدعوا للإتحاد مع مصر ما غرضهم إلا أن يسندوا ظهرهم الى قوة يواجهوا الانجليز من قاعدتها، ليتخلصوا من الانجليز ثم ليتخلصوا برضو من النفوذ المصرى.. دا كان بطبيعة الحال الأمر الحقيقى التحت السطح.. فى حركة 24 الإتجاه دا ما كان ناضج وواضح، حتى يمكن أن يقال إن حركة 24 تكاد تكون دعوة لمصلحة المصريين أكثر مما هى دعوة لوطنية السودانيين) ..
(مؤتمر الخريجين زى ما قلنا مشى فى اتجاهو المشى فيه، وخرجت منه الأحزاب لتحمل الإستعمار على احترام الحركة الوطنية، يعني المتعلمين لابد أنهم يكونوا هم البتكلموا باسم السودان.. خرجت الأحزاب، وزى ما قلنا الختمية والأنصار، الأحزاب الإتحادية كلها كانت كتيرة لكن بترجع لأصل واحد، راعيها السيد على الميرغنى، هم الختمية .. الأحزاب التانية كانت كتيرة برضو وبترجع لأصل واحد، هم الأنصار، راعيها السيد عبد الرحمن المهدى.. فكان اتجاه الأحزاب المنضوية تحت طائفة الختمية أن يكون فى نوع من العلاقة مع مصر، إتحاد أو وحدة، بعضهم بقول، اندماج، أشياء زى دى.. وحزب الأمة – الحزب الإستقلالى - كان متجه الى ألا تكون عنده أى علاقة بمصر، تحت الكلام دا، أن تكون عنده علاقة بالانجليز.. وهو بيعتقد أنو الانجليز مافى خطر كبير منهم على السودان لأنهم فى يوم من الأيام بيرحلوا، لكن المصريين فى خطر كبير منهم لأنهم عندهم مطمع قديم، بل الحقيقة هم بيعتبروا السودان أصلو تابع ليهم، أصلو بتاعهم، وهو مجالهم الحيوى، وعندهم مصالح اقتصادية مادية فيه، دا يجعل خطرهم كبير.. ولذلك بنفس الروح اللى الإتحاديين كانوا بيها عايزين يستعينوا بالمصريين على الإنجليز، كان الإستقلاليون عايزين يستعينوا بالإنجليز على المصريين.. المسألة دى، كان فى همس بدور، يجوز ليهو ما يبرره، أنو من المحتمل أنو الإنجليز ينصبوا السيد عبد الرحمن ملك على السودان، ودى بطبيعة الحال، بتذكر الناس بالمهدية والحالة ديك، كان فى نفور كبير جدا منها.. لكن كان انقسام الحركة على أى حال بين جانب مع الإنجليز، وجانب مع المصريين واضح وضوح شديد، حتى لمن فى مارس سنة 46 مشى وفد الأحزاب لمصر، لأنه كان النقراشى عايز يعرض قضية وادى النيل على هيئة الأمم المتحدة فى ليك سكسيس Lake Success ، كانوا هم أي الوفد، عايزين يدوهو السند الذي يستطيع أن يتكلم بيهو باسم السودانيين إلى جانب المصريين.. فقام وفد على رأسه أزهرى معاهو برضو الإستقلاليين مشوا.. لمن مشوا هناك، المصريين ما كان عندهم رغبة فى احترام الإستقلاليين بالمرة، زى الأساءوا معاملتهم بصورة خشنة كدة وظاهرة.. الإتحاديين، كانوا المصريين بيعتبروهم برضو وسيلة لأن يتكلموا بى اسمهم، لكن هم فى الحقيقة ما عايزين يدوا السودان أى فرصة، خصوصا فى الأيام دى – أيام ناس النقراشى وصدقى باشا .. معروفة حكاية صدقى باشا وكلامه عن السيادة اللى جابا للمصريين على السودانيين .. فى أثناء تعاون الإتحاديين والإستقلاليين فى مصر عملوا وثيقة – وثيقة تربطهم مع بعض ويكون عملهم موحد على أساسها.. قالوا غرضهم أنو السودان يكون مستقل فى تحالف مع بريطانيا واتحاد مع مصر، أو لعلو الصورة: اتحاد مع مصر وتحالف مع بريطانيا.. دا كان ماهو جديد بالنسبة للفريقين، كان من هنا ديل بحترموا الانجليز، وديل بحترموا المصريين)
(أيها القارى الكريم: تحية
أما بعد:
فهذه صحيفة الجمهوريين، يقدمها لك فتية آمنوا بربهم، فهيمن عليهم الإيمان على صريح القصد، فهم يقولون مايريدون بأوجز أداء، ويعنون ما يقولون من الألف إلى الياء.. و(الجمهورية) تطمح في أن تخلق تقليدا فى الصحافة، فى معنى ما يخلق الجمهوريون من تقليد جديد، فى السياسة.. والجمهوريون حزب سياسي، ولكنهم لا يفهمون السياسة على أنها اللف والدوران.. وإنما يفهمونها على أنها تدبير أمر الناس بالحق وبميزان.. وللجمهورية فى الصحافة رأى، وهو أنها يجب أن تعين على العلم، لا أن تمالي على الجهل.. يجب أن تسير أمام الشعب لا أن تسير فى زمرته تتسقط رضاه، وتجارى هواه، وتقدم له من ألوان القول ما يلذه ولا يؤذيه.. وقد تعرض الجمهوريون في نهجهم السياسي للكثير من العنت، والأذى من جراء مضائهم فيما يرونه الحق، والعدل .. فهل تتعرض (الجمهورية) لشئ من الكساد ، من جراء ما ستجافي من التقليد التجارى بتقديم ما يقدم فى سوق النفاق؟ .
إن هذا لا يعنينا، بقدر ما يعنينا أن نستقيم على الحق.. فقد أنفقنا عمرنا نبحث عنه ، ولا نزال، فإن وجدناه، فإنا سنلقاك به صريحا غير مشوب بتلطيف، وسيكون عليك أنت أن تختار لنفسك بين وجه الحق ووجه الباطل)