إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..
الاستاذ محمود في الذكرى الثالثة والعشرين
محاولة للتعريف باساسيات دعوته (٦)
خالد الحاج عبد المحمود
الإسلام كنظرية نقدية
الإسلام كنظرية نقدية
نقد الواقع
الواقع من حيث الدين - المسيحية (4)
إن الصورة أشد سوادا مما ذكرنا بكثير، فنحن لم نشر الى الارهاب الواسع لمحاكم التفتيش في القرون الوسطى، ومواكب الضحايا الذين كانوا يلقون بهم في أتون النيران المتأججة، ذلك العمل البشع الذي استمر الى القرن التاسع عشر!! ولم يوقفه في اسبانيا، إلا نابليون، في عام 1820 .
ولكن كل هذا ماذا يساوي مع حروب الاستعمار الغربي المسيحي، البشعة، والتي استخدمت فيها الأسلحة النارية ضد الشعوب المسالمة في اوطانها، لا لشئ إلا لاستعبادها واستغلال خيرات ارضها، وهي لا تملك سوى الأسلحة التقليدية!! ولقد شاركت الكنيسة ورجالها مشاركة فعالة، في تلك الحروب، والتي بررتها بأنها وسيلة لادخال تلك الشعوب، في الحياة المتمدنة، بنشر المسيحية بينهم.. ولقد شملت تلك الحروب رقعة واسعة.. شملت أفريقيا، وجزء كبير من آسيا، وجزرها، وأمريكا الشمالية، والجنوبية، وجزر الكاريبي، واستراليا ونيوزيلندة، أو معظم العالم خارج أوربا.. كما امتدت تلك الحروب طويلا في التاريخ.. وبعض الشعوب، التي زعموا انهم أرادوا إدخالها في المدنية، أبادوها ابادة شبه تامة، وبأساليب بشعة، يقشعر لذكرها، الحس الانساني السليم.. ومن الذين ابيدوا: السكان الأصليين لأمريكا الشمالية، والوسطى، والجنوبية، وكذلك السكان الأصليين لأستراليا.
أما أفريقيا، فلم تعاني فقط، من الاستعمار المسيحي الغربي، ومظالمه وويلاته، وإنما كانت هناك نكبة أخرى خاصة بها، وهي ما عرف ب(تجارة الرقيق عبر الأطلنطي) تلك التجارة البشعة التي تسببت في العديد من الحروب بين القبائل الأفريقية فيما بينها، وفي ما بينها وبين تجار الرقيق.. ويقدر عدد الذين قامت تلك التجارة بتحويلهم من أفريقيا الى الأراضي الجديدة بحوالي الثلاثين مليونا، نصفهم مات في الطريق، وكثيرون منهم ماتوا بعد أن وصلوا، بسبب المعاملة القاسية، والاختلاف في المناخ، وبسبب الأمراض.. وقد كان تجار الرقيق في البداية يأخذون الشباب الذكور فقط.. وقد أدت هذه الحروب الى هبوط حاد في تعداد المواطنين في افريقيا!!
والحرب العالمية الأولى، هي حرب الشعوب، والدول، التي تنتمي للعقيدة المسيحية، وكذلك الحرب العالمية الثانية، ونحن قد أشرنا للحربيين في اطار حديثنا عن العلمانية، ولكن العلمانيون في الغرب يدينون بالدين المسيحي.. ومشاركة، الشيوعيون الروس، والنازيون الألمان في الحرب الثانية، لا تقلل كثيرا من دور المسيحيين فيها.. فروسيا، هي الوطن الأم للمذهب الأرثوزكسي، وألمانيا من أكبر دول اوربا تمسكا بالمسيحية.. ونسبة لكثرة الدول المسيحية المشاركة، حتي لو أبعدنا روسيا وألمانيا، فإن ذلك لا يؤثر على حقيقة أن الحرب العالمية الثانية، حرب مسيحية، إلا تأثيرا طفيفا.
والمسيحيون هم الوحيدون في تاريخ الحضارة البشرية، الذين استخدموا الأسلحة الذرية في الحرب!! ولا يستطيع أحد، أن يزعم أن الشعب الأمريكي ليس مسيحيا.. فالمسيحيون هم الأغلبية الساحقة جدا، من الشعب الأمريكي.. بل ان الأمريكيين يعتبرون أنفسهم شعب متدينا.. واذا كان التدين يقاس بمجرد الايمان بالله، والانتماء لدين، فهم كذلك فعلا.. ولكن التدين، عندنا، أبعد من ذلك بكثير!!
والمسيحيون، هم أيضا، أكبر من استخدم في الحروب اسلحة الدمار الشامل، دون الأسلحة الذرية.. وهم الآن يملكون أكبر ترسانة أسلحة، جاهزة للاستخدام، في العالم، ولا توجد أي نسبة بين ما يملكون من سلاح، وبين ما يملك العالم غير المسيحي.. وبحكم سيادة الدول التي ينتمون اليها، وتفوقها ، عسكريا، يمكن أن نقول أن أي حرب في المستقبل، لا يمكن أن تكون لا صلة لها بأصحاب العقيدة المسيحية.
إن الخيال المسيحي، يعجز عن مجرد تصور عالم بلا حرب.. فحتى مجيء المخلص عندهم، مرتبط بحرب(هرمجدون) و(المعصرة)!!
فإذا بعد كل ذلك، اتهم المسيحيون غيرهم، بالدعوة للعنف، واثارة الحروب ـ وهذا ما يحدث فعلا ـ فإن هذا ليس مجرد مغالطة، وإنما هو عدم حياء!!
لقد ركزنا، في تناولنا للمسيحية على الحديث عن موقفها النظري والعملي، من الحرب، لعدة اعتبارات، منها: إننا نرى أن حاجة الانسانية الأساسية، اليوم، هي للسلام.. ففي اطار هذه الحاجة، تدور كل حاجات الانسانية الأخرى.. ونحن نرى أن جوهر الدين، منذ أن كان الدين، هو السلام، وقيم السلام.. أضف الى ذلك أن المسيحيين، هم أكثر أصحاب الأديان، ظهورا، بالدعوة للسلام.
نحن في الحلقة السابقة وضعنا ثلاثة معايير اساسية للتفريق بين الدين الحق، والهوس الديني، الذي هو (قلبة) الدين الحق وهذه المعايير هي:
1. التوحيد
2. تحقيق القيم الدينية ـ الانسانية
3. الاستجابة لتحديات العصر
وفق هذه المعايير، هل المسيحية، كما هي اليوم، عند معتنقيها، دين أم هوس ديني!؟ لا اعتقد أن الأمر يحتاج الى مزيد من الايضاح.. فبالنسبة للتوحيد، فالمسيحية، منذ بداية انتشارها في الغرب، فارقت خط التوحيد، الذي كان يدعو له السيد المسيح، وقامت على افكار بولس غير التوحيدية.. ومن حيث القيم، المسيحيون هم أكثر أصحاب الأديان تأثرا بالقيم الدنيوية (العلمانية) وهم أكثر أصحاب الأديان بعدا عن قيم السلام، وهذا يجعلهم أكثر أصحاب الأديان بعدا عن الاستجابة لتحديات العصر، وحل مشكلاته، التي تتمثل في الحاجة للسلام، وقيم السلام.
بقي أن نقول أن للمسيحية تصور خاص، للخلاص والمخلص، سنتحدث عنه، عندما نتحدث عن فكرة المخلص، في الأديان، وفي التراث البشري.
أرسلهم رسولهم ليكونوا حملانا بين الذئاب، فأصبحوا ذئابا بين الحملان.. قال لهم: من لطمك على خدك الأيمن، فادر له الآخر أيضا، واوصاهم بأن يحبوا أعدائهم، فاستجابوا للوصية باشعال حروب لا تنطفي نيرانها، وإبادة شعوب من المسالمين.. قال لهم: لا تجعلوا لكم كنوزا في الأرض، حيث السوس والصدأ، وحيث يسرق السارقون، ولكن أجعلوا كنزكم في السماء، لأنه حيث يكون كنزك يكون قلبك أيضا، فسمعوا الوصية، وعملوا بعكسها!! فجعلوا كنوزهم كلها في الأرض ونسوا كنز السماء!! فهل يفلح قوم عملوا بعكس ما وصاهم به رسولهم؟! لا والله، ما هم بمفلحين.
خالد الحاج
رفاعة في 17/9/2008
الموافق 17/رمضان/1429