إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..
الاستاذ محمود في الذكرى الثالثة والعشرين
محاولة للتعريف باساسيات دعوته (٦)
خالد الحاج عبد المحمود
الإسلام كنظرية نقدية
الإسلام كنظرية نقدية
نقد الواقع
الواقع من حيث الدين - المسيحية (2)
اختلاف المصادر:
كل المسلمين، بحكم دينهم، يؤمنون برسالة سيدنا موسى، وبكتابه التوراة، ويؤمنون برسالة سيدنا عيسى، وكتابه الانجيل.. وهذا الايمان، مكون اساسي، من مكونات العقيدة الاسلامية، إذ عليه تقوم أركان الايمان.. ولكن ما نؤمن به نحن المسلمين، عن اليهودية، والمسيحية، لايتطابق مع ما عليه أصحاب هاتين الديانتين اليوم، بل هنالك اختلافات أساسية.. فإيماننا باليهودية والمسيحية يقوم على القرآن والأحاديث النبوية، وليس على الكتاب المقدس، كما هو موجود، الآن.. والاختلاف بين المصدرين كبير جدا.. فاليهودية والمسيحية، حسب القرآن من أكبر ديانات التوحيد، بعد الاسلام.. ولكن المسيحية، حسب الكتاب المقدس، الذي بين أيدي الناس اليوم، ليست كذلك!! فلذلك نحن رغم ايماننا بالمسيحية إلا أننا نرفض، أساسيات المسيحية، السائدة اليوم، والتي خرجت من أن تكون دين توحيد.. ويمكن القول بحق، أن المسيحية السائدة، ليست هي مسيحية السيد المسيح، وإنما هي مسيحية بولس!! فلقد شهدت المسيحية تحولا أساسيا، عندما انتشرت في اوروبا، وتم تغيير أساسي في عقائدها، وفي المصدر الذي تقوم عليه ـ الكتاب المقدس.
فالكتاب المقدس، حتى عند اهله، ليس مثل القرآن، عند أهله.. فالقرآن النص والمعنى موحى بهما من الله، وليس كذلك الكتاب المقدس.. بل هو ليس مثل الأحاديث القدسية، بل حتى لا تتوفر له الوثوقية، التي للأحاديث النبوية.. ولقد تمت دراسات نقدية واسعة جدا، من الغربيين، ومؤخرا من المسلمين، للكتاب المقدس، أظهرت كمية هائلة من التناقض، في التوراة و الأناجيل.
ولإعطاء صورة عامة في التغيير الذي حدث في الأناجيل، نورد هنا ما نقله أحمد ديدات ـ وهو من المسلمين المتخصصين في دراسة الكتاب المقدس، دراسة نقدية، وهو في اسلامه أميل للوهابيةـ يقول ديدات تعليقا على مايكل. هـ . هارت: "لا أستطيع مقاومة موافقة هارت، فأكثر من 27 كتابا من العهد الجديد، أكثر من نصفها كان المسؤول عنها بولس، وفي المقابل ، لم يكتب المعلم كلمة واحدة من السبعة والعشرين كتابا، إذا استطعت أن تضع يديك على ما يسمى (الكتاب المقدس بالحروف الحمراء)، فستجد كل كلمة يزعم أنها قيلت بواسطة عيسى (عليه السلام) بالخط الأحمر، والباقي بالحبر الأسود العادي، ولا تصدم عندما تجد أن في هذا الملقب (انجيل)، أي أنجيل عيسى، فيه أكثر من 90% من مجموع ال 27 كتابا من العهد الجديد طبعت بالحبر الأسود"!!
والقضايا التي أضافها بولس للمسيحية، هي قضايا العقيدة الأساسية عند المسيحيين.. وهي ما نختلف نحن كمسلمين، معهم حولها، اختلافا أساسيا.. وهي تتمثل في:
1. الوهية السيد المسيح
2. كون المسيح بن الله
3. عقيدة التثليث: الأب، الابن، الروح القدس
4. مفهوم الفداء المسيحي: كون السيد المسيح مات على الصليب فداء للانسانية عن الخطيئة الأساسية ـ خطيئة آدم وحواء.
5. مفهوم الخلاص المسيحي، وهو يقوم على أن تؤمن بالسيد المسيح مخلصا، وبذلك يتم خلاصك..
وهذه تشكل جوهر المسيحية عند المسيحيين، وهي نفسها تمثل جوهر مفارقة المسيحية، كما جاء بها السيد المسيح، في نظر المسلمين، وحسب مصادرهم الدينية ـ القرآن والأحاديث النبوية.
ويتبادر الى الذهن أن المسيحيين في هذه النقاط، إنما يعنون معنى مجازيا، خصوصا فيما يتعلق بألوهية السيد المسيح وبنوته لله، ولكن هذا غير صحيح، فهم يؤكدون المعنى الحرفي!! فهم، مثلا، من كتاب (الكاتشيزم) الذي يوضح عقيدتهم يقولون: "أن عيسى إله فعلي من إله فعلي، مولود من الأب، مولود وليس مخلوق"!!
وجميع هذه النقاط التي تقوم عليها العقيدة المسيحية، أورد النقاد للأناجيل ما ينفيها، ومن نصوص الأناجيل نفسها!!
والاختلافات بين الفرق المسيحية، اختلافات كبيرة.. وتحت ضغط العلمانية، هنالك مراجعة مستمرة للمسيحية، من رجال الدين أنفسهم.. وهنالك تشكيك من قبل بعض الكنائس، في امور بالنسبة لنا نحن المسلمين، غير قابلة للشك، لأن الخبر بها ورد في النص القرآني الصريح، ومن ذلك مثلا معجزات السيد المسيح مثل: ولادته من غير أب واحيائه للموتى.. مثلا، أورد ديدات أن في استفتاء للأساقفة الأنجيليكانيين يونيو 1984 (كشف أن 31 أسقفا من مجموع 39 أسقفا يعتقدون أن معجزات المسيح، وهي ميلاده من عذراء، وإحياء الموتى، ربما لم تحدث تماما كما وصفها الكتاب المقدس).
والكتاب المقدس فيه من الأقوال، بحق كبار الأنبياء، ما لا يجرؤ المسلم على ترداده!! وفيه من القصص الأسطورية، ما ليس له شبيه، إلا حكايات القصاصين عند العرب المسلمين.. ولكن رغم ذلك، وبمقياس القرآن والسنة، فإن الكثير من نصوصه، نصوص دينية واضحة، بل إن من نصوصه ما يكاد يتطابق مع بعض الأحاديث النبوية.. وفي تقديري، أن خلاصة القيم الدينية، في الكتاب المقدس، تمثلت في الوصايا العشر وموعظة الجبل.
أما عن المنهج، فليس في المسيحية، ما يستحق أن يقال.