إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..
الاستاذ محمود في الذكرى الثالثة والعشرين
محاولة للتعريف باساسيات دعوته (٥)
خالد الحاج عبد المحمود
الإسلام كنظرية نقدية
الإسلام كنظرية نقدية
نقد الواقع
الواقع من حيث الدين
فالواقع من حيث الدين، أو من حيث تقديم رجل الروح، أمره واضح جدا.. فالهيمنة لرجل المادة، بصورة تكاد تكون مطلقة.. وقد فارقت الأديان السماوية قيمها عند الناس، ولم يبق منها إلا الهوس الديني.. والأديان السماوية التي لها وجود، مؤثر في الأرض، هي الأديان الكتابية: اليهودية، والمسيحية والاسلام.. وجميع أصحاب هذه الأديان، إلا ما رحم ربي، قد تحولوا من الدين الى الهوس الديني، على تفاوت بينهم في ذلك.. فهم جميعا، قد نصلوا عن دينهم الحق منذ زمن طويل، ولم يبق لهم منه إلا القشور- المظاهر والطقوس.. أما القيم السائدة بينهم، فهي قيم الحضارة الغربية المادية.. قيم السوق!! فالمتدينون، يظهرون الدين، ويبطنون الدنيا، وينطلقون في معاملاتهم، على أساس من الدنيا.. وقد أدركتهم النذارات التي أنذر بها المعصوم، عليه أفضل الصلاة، وأتم التسليم، هذه الأمة في أخريات أيامها.. نورد من هذه النذارات قول المعصوم: (لتتبعن سنن من كان قبلكم، شبرا، بشبر،وذراعا بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب خرب لدخلتموه!! قالوا: أأليهود والنصارى؟؟ قال: فمن) يعني من غيرهم.. وقد أوردنا هذه النذارة بالذات، لأنها تشمل أصحاب الأديان الكتابية الثلاثة.. فاليهود والنصارى، بحكم أسبقيتهم الزمانية، سبقوا المسلمين، في النصول عن دينهم، والآن لحق بهم المسلمون، فأصبحوا جميعا في مركب واحد ليس لديهم من الدين إلا الهوس..
ونحن هنا، سنجري مقارنة، بين دعوة الأستاذ محمود للإسلام، وبين المسيحية، والفرق الاسلامية المختلفة.. وستكون هذه المقارنة من خلال منظور الدين، والهوس الديني، أو الدين في حده الايجابي، وفي حده السلبي.. والمعيار الذي سنتخذه للدين، هو حياة النبي محمد عليه أفضل الصلاة، وأتم التسليم، التي تجسد قيم الدين في الفكر وفي الحياة، في قمة.. والهوس الديني بصورة عامة، هو كل تجمع أو نشاط، يتم باسم الدين، وهو مفارق لقيم الدين، التي نموذجها حياة المعصوم.. والموضوع يدور حول محورين أساسيين: التوحيد، والمعاملة والقيم، وهما وجهان لشيء واحد.
وأعتقد أننا، بجعلنا حياة محمد، عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، هي معيار الدين الحق، نكون منصفين، خصوصا بالنسبة للفرق الاسلامية، التي تشترك جميعها في العقيدة حول النبي الكريم، أوهكذا ينبغي أن يكون الأمر .. ثم إننا عندما نرفع النموذج النبوي، فنحن ننسجم مع دعوتنا، التي تعتبر النبي أعظم تجسيد للدين الإنساني، وهو عندنا، يجسد خلاصة تجربة الدين في الأرض منذ أن كان الدين، ولذلك دعوتنا تقوم أساسا، على دعوة كل الناس، لاتباع طريقه.. وعلينا نحن تقع مسئولية الايضاح في هذا الأمر.
والمقارنة بين الدين، والهوس الديني، تنطلق من الواقع الحضاري، وتحدياته.. فالدين لا يبعث في فراغ، وإنما في إطار واقع محدد، له امكانات محددة، ومشاكل محددة، لا يمكن أن يتم بعث ديني، دون مراعاتها.. فمن أكبر، وأهم مظاهر الهوس الديني، الى جانب ضعف التوحيد، وضعف القيم، العجز الفاضح عن تصور تحديات الواقع، وبالتالي العجز عن الاستجابة لها.. فتحديات الواقع هي المعيار الأساسي، في التمييز بين الدين والهوس الديني.. ويستحسن أن نصطحب معنا، في هذا الصدد، عبارات الأستاذ محمود، التي يقول فيها: "وفي الحق، أن الدين، سواء أن كان مسيحية أو اسلاما، إن لم يستوعب كل نشاط المجتمع، ونشاط الأفراد، ويتولى تنظيم كل طاقات الحياة الفردية والجماعية، على رشد وعلى هداية، فإنه ينصل من حياة الناس، ويقل أثره، ويخلي مكانه لأي فلسفة أخرى، مهما كان مبلغها من الضلال، ما دامت هذه الفلسفة قادرة على تقديم الحلول العملية لمشاكل الناس اليومية، أو حتى ما دامت قادرة على تضليل الناس، الى حين، باسم خدمة مصالحهم المعيشية، فإن الناس، ما داموا أصحاب معدات وأجساد، يجب ألا تهمل دعوتهم الى الفضيلة حاجة معداتهم وأجسادهم، بل إن المعرفة بطبائع الأشياء تقضي بأن تكون دعوتهم الى الفضيلة عن طريق معداتهم وأجسادهم.. "