إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search

الاستاذ محمود في الذكرى الثالثة والعشرين
محاولة للتعريف باساسيات دعوته (٥)

خالد الحاج عبد المحمود


الإسلام كنظرية نقدية

بسم الله الرحمن الرحيم
الاستاذ محمود في الذكرى الثالثة والعشرين
محاولة للتعريف باساسيات دعوته (5)
(وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ) سبأ 24



"والتبشير بالإسلام أمر يتطلب أن يكون المبشر ، من سعة العلم بدقائق الإسلام ، و بدقائق الأديان ، والأفكار ، والفلسفات المعاصرة ، بحيث يستطيع أن يجري مقارنة تبرز إمتياز الإسلام على كل فلسفة إجتماعية معاصرة ، وعلى كل دين، بصورة تقنع العقول الذكية.." الأستاذ محمود محمد طه



الإسلام كنظرية نقدية
نقد الواقع



الواقع من حيث الدين


لقد ظل الدين عبر تاريخ البشرية الطويل، العنصر الأساسي، في تشكيل حياة الناس، وتوجيهها، وهو سيظل كذلك، ما بقي في الأرض بشر.. والإنسان متدين بطبعه، فهو لا يستطيع إلا أن يكون على دين ما.. ونحن هنا سنتحدث عن الدين بمعناه العام.. الدين كعقيدة في إطار توجيه ما، وموضوع عبادة ما.. هذا بالنسبة للتوحيد أمر واضح جدا.. فوفق الإسلام العام، لا يوجد مخلوق يمكن أن يخرج عن الدين.. فجميع الخلائق مسلمة لله، خاضعة لإرادته.. أما بالنسبة للإنسان ـ على المستوى الخاص ـ لا يوجد إنسان ـ بين عقله الواعي وعقله الباطن ـ يخلو من الإيمان.. فالكافر ليس معدوم الإيمان، وإنما هو من من يغلب كفره على إيمانه، يقول تعالى: (بل لعنهم الله بكفرهم فقليلا ما يؤمنون).. فموضوع الكفر والإيمان دائما موضوع نسبي.. فلأن جميع الخلائق قيوميتها بالله، فلا يمكن أن يكون هناك غياب تام للإيمان!! يقول تعالى: (وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه)، وهذا قضاء نافذ في القدر، الآن، وفي كل آن، كل ما هنالك أن معظم الناس يتوجهون بعبادتهم، إلى تجلي من تجليات الله، فيعبدون الله، في مظهر من مظاهر قدرته.. فعبادة غير الله، في الحقيقة، أمر مستحيل تماما، وذلك لسبب بسيط، هو أنه، في الحقيقة، لا يوجد غيره!! فكل ما يدخل الوجود يدخل بإرادته تعالى، وإرادته ليست غيره.. فمن يتوجه بعبادته، لتجلي من تجليات الله، دون ذاته ، هو يحجب الذات بمظهر من مظاهرها، وهذا هو الكفر ـ الحجب أو التغطية ـ فالعبادة الحق، ينبغي أن تتوجه إلى الذات، وكل ما عداها، هو في مقام الوسيلة.. فالإسلام دين، والكفر دين.. يقول تعالى لنبيه، من سورة الكافرون: (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ* لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ) .. الى أن يقول: (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِين).. فللنبي الكريم دين وللكافرين دين!! والاختلاف الأساسي بين الدينين، في "التوحيد".. فالألوهية هي اصل أي دين، وكل دين.. فالمؤمنون إلههم الله، والكافرون إلههم غير الله.. وقد يكون إله الكافرين (الهوى).. يقول تعالى: (أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلا) (الفرقان 43).. المهم أن كل ما عدا الذات وسيلة إليها، فينبغي أن يتخذ كوسيلة، ولا ينظر إليه كغاية أو كغير، فيكون حجابا .. والوسائل بعضها أكمل من بعض، وأقرب من بعض، في التوسل بها إلى الله، يقول تعالى: (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ..)
فالقضية، كما يقول اريك فروم، ليست دين أولا دين، وإنما القضية أي دين!؟ فالدين سلاح ذو حدين.. وهذا ينطبق على جميع الأديان.. أديان الكفر وأديان الإيمان في ذلك سواء.. وكلا الحدين، خطير جدا، في فعاليته وفي آثاره.. فالحد السلبي، إذا استخدم يكون خطيرا جدا، في تدمير الفكر، وتدمير الحياة، وانحطاطها.. والحد الايجابي إذا استخدم، يكون خطيرا جدا في آثاره الايجابية، في تنمية الفكر، والارتقاء بالحياة، وبالقيم الانسانية.