إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..
الاستاذ محمود في الذكرى الثالثة والعشرين
محاولة للتعريف باساسيات دعوته (٤)
خالد الحاج عبد المحمود
الإسلام كنظرية نقدية
الإسلام كنظرية نقدية
نقد الواقع
المادة والروح:
إن من أكبر، وأهم، المتغيرات، والتي سينبني عليها الكثير جدا، والهام جدا، التغيير الذي يتعلق بالنظرة المادية للكون، وللحياة.. فالحضارة الغربية حضارة مادية، في جوهرها، وقد ظل التفكير المادي، سائدا فيها، منذ عصر النهضة، والى اليوم.. وقد تأثر هذا التفكير، بتطور العلوم الطبيعية، تأثرا كبيرا، منذ نيوتن، وحتى نسبية اينشتاين.. وقد كانت النظرة العلمية السائدة للكون، قبل اينشتاين، هي النظرة الميكانيكية، التي تنظر الى الكون كآلة كبيرة، تحكمها قوانينها الداخلية، المنتظمة، والحتمية.. وتحت سيادة هذه النظرة جاء رد لابلاس على نابليون، عندما سأله عن موضع الله، في تصورهم هذا للكون، فقد رد لابلاس بأن الله، فرضية، لا توجد حاجة اليها!! ولكن كل ذلك قد تغير بصورة جذرية، بعد نظرية النسبية، ونظرية الكم.. ولكن هذا التغيير الأساسي في مجال العلم، لم ينعكس حتى الآن، بصورة ايجابية، على مجال الفكر، ومجال الحياة.. وأهم ما يعنينا هنا، نظرية اينشتاين، عن التكافؤ بين المادة والطاقة، فهي قد اثبتت بصورة علمية، نهائية، أن المادة ليست أصل الكون، ليس ذلك فقط، وانما اكثر منه، انها هي نفسها اساسا غير موجودة بصورتها المعروفة، إلا في الظاهر، الذي يقوم على وهم الحواس!! وهي مظهر لشئ وراءها، هو الطاقة.. والطاقة هي الروح بالنسبة للمادة يقول الأستاذ محمود، في هذا الصدد: "إن العلم التجريبي الحاضر قد خدم البشرية على هذا الكوكب خدمات لا تحصى، ولكن هناك خدمة لم نتفطن، الى الآن، الى حقيقة عظمتها، وتلك هي انه باطلاق الطاقة الذرية، بتفتيته للذرة، فقد لفت نظرنا الى أن البيئة التي عاشت فيها الأحياء، قبلنا، ونعيش فيها نحن اليوم، ليست في حقيقتها مادية، وإنما هي روحية ذات مظهر مادي.. بل إن المادة، كما نعرفها، ونألفها، ليست هناك، وإنما هي وهم من أوهام الحواس، وعندما ردها العلم الحديث الى أصولها الأولية انقلبت الى طاقة تدفع وتجذب في الفضاء، والعلم الحديث قد عرف خصائص هذه الطاقة، ولكنه عجز عن معرفة كنهها، ووقف عند عتبة الكنه عاجزا لايبدي، ولا يعيد، ولا يدعي، لأنه أحق من يفهم أن مقامه عند هذه العتبة، وأنه لا يستقيم مع كرامة نفسه عنده، أن يدعي لها ما لا يكون ابدا.
البيئة التي نعيش فيها الآن، إذا، قد برهن العلم المادي التجريبي الحديث نفسه على أنها ليست مادية وإنما المادة مظهر لشئ وراء المادة. وهذا الشئ الذي وراء المادة يعبر الاسلام، عن أدنى منازله من المادة، بالروح، أو إن شئت التعبير الحديث، قل بالفكر.. فالبيئة التي نعيش فيها فكرية، تجسدت فيها الأفكار، واتخذت مظهرا نسميه نحن المادة.. ومن ثم فالوحدة البشرية التي تطلب البيئة الجديدة الى الانسانية تحقيقها انما سبيلها الفكر.. فالناس يختلفون في اللون، وفي الاقليم، وفي اللغة، وفي العنصر، وفي العقيدة، ولكنهم، كلهم، يلتقون في العقل. فإن الانسان في أدنى مراتبه من منازل الحيوان، قد تميز عنه بالعقل، وهو لا يدخل حظيرة الانسانية الا به - فيما عدا الحالات الطارئة" كتاب مشكلة الشرق الأوسط اكتوبر 1967م -
إن الفهم الجديد للبيئة، يطلب منا أن نتوائم مع ظاهرها المادي، وباطنها الروحي، في آن معا، على أن نعلم أن الروح هي الأصل، والمادة فرع، وهذا الفهم وما ينبني عليه من توائم مع البيئة، هو ما لا يمكن أن توفره الحضارة الغربية، وذلك لأنها حضارة ذات بعد واحد، هو البعد المادي.. وهذا يشكل السبب الأساسي في فشلها، ويجعلها في أشد الحاجة، لنفخ الروح، في هيكلها المادي العملاق.