إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search

الاستاذ محمود في الذكرى الثالثة والعشرين
محاولة للتعريف باساسيات دعوته (٤)

خالد الحاج عبد المحمود


الإسلام كنظرية نقدية

الإسلام كنظرية نقدية
نقد الواقع


حكم الوقت:


تتحدث بعض مدارس الفكر الغربي، عن النظرة التاريخية أو التاريخانية .. وهي تعني في تبسيط، تأثر الفكر والحياة، بالظروف التاريخية، فلا يمكن مثلاً، ان تسبق الاشتراكية الرأسمالية، ولا أن تسبق الرأسمالية الاقطاع .. فظروف التاريخ، ومايحدث فيه هي التي تحدد طبيعة المرحلة .. وفي الغالب، تقوم هذه النظرة على مفهوم تطوري .. ما يقابل هذه النظرة من الاسلام هو مفهوم "حكم الوقت" وهو، وإن كان يسير في نفس إتجاه النظرة التاريخية إلا أنه اكمل منها بما لا يقاس .. وإنما يجئ الاختلاف الجذري، بين النظرتين، من أن مفهوم "حكم الوقت" يقوم على "الغائية الكونية" وهي بدورها، تقوم على أن وراء احداث الكون، إرادة مدبرة حكيمة، تضع كل شئ في موضعه .. ويمكن فهم مرامي هذه الارادة المتفردة، وحكمتها عن طريق العمل بالمنهاج الذي وضعته للبشر وهو منهاج، في جملته، يعمل على خلق الصلة بمصدر هذه الارادة، والتلقي عنه ومعرفة حكمته، وراء فعله، والعمل وفق هذه المعرفة وهذا ما يعرف في الدين ب- "أدب الوقت" .. فعن طريق العمل بالمنهاج، والتأدب بادب الوقت نعرف حكم الوقت، فتظهر لنا حكمة الله الباطنة وراء فعله الظاهر، ونكون على بينة من الامر، في الفكر وفي السلوك .. وهذا لا يوجد له أي مقابل، في الفكر الغربي .. بل ان مجرد، مفهوم "الغائية الكونية" في هذا الفكر غائب .
جل ما نريد أن نقرره هنا، هو أن قراءة الواقع، واحقاق الحق وإبطال الباطل، لا يمكن أن تعرف في وقتها، إلا بمعرفة حكم الوقت، وهو ببساطة: الحكمة وراء ما اظهره الله في الوقت.. وهذا لا يتم الا عن طريق العقول المؤدبة بادب الوقت (فالعقل، اذا روض، وادب بادب الشريعة، وادب الحقيقة "ادب الوقت"، اصبح شديد القوى، دقيق الفكر، نافذه)، فهذا العقل هو الذي يدرك القراءة الصحيحة للواقع، فيعرف ماهو باطل حسب حكم الوقت، فهو زائل .. وماهو حق حسب حكم الوقت، فهو باق، ونام .. وبذلك يقوم، بتصفية الرضا من الارادة . والواقع بالطبع درجات، فهنالك الواقع الذي يمثله التجلي اللحظي، والواقع بالنسبة لكل فرد، في كل جزيئات حياته .. والواقع بالنسبة للمجتمع المعين، أو الدوله المعينة، والواقع للحضارة ككل .. وكل هذه المستويات متداخله، ومتكاملة.. ونحن ما يعنينا هنا هو الواقع الحضاري بالذات، وهو مؤثرعلى جميع صور الواقع الاخرى .. ولمزيد من البيان، وحتي تكتمل الصورة، سنعرض نماذج من قراءة الأستاذ محمود للواقع، وهي بالطبع قراءة تقوم على تطبيق منهج الاسلام الذي يدعو له .