إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..
الأستاذ محمود في الذكرى الثانية والعشرين
محاولة للتعريف بأساسيات دعوته (١٢)
خالد الحاج عبد المحمود
بسم الله الرحمن الرحيم
الأستاذ محمود محمد طه في الذكرى الثانية والعشرين
محاولة للتعريف بأساسيات دعوته
أدب الطريق:
إن تقليد النبي صلى الله عليه وسلم، بغير وعي، وتمام إدراك، قليل الجدوى، وقد يكون عملا آليا لا روح فيه، قصاراه التعب.. ولكي يكون التقليد مفضيا الى الثمرة المرجوة منه، لا بد فيه من الأدب مع المقلد، والثقة به، والطمأنينة اليه، وتوقيره، وتقديسه، والمحبة له.. وكل ذلك يقتضي بعض المعرفة به، ريثما، عن طريق التقليد المجود نفسه، تتضح آفاق الحقيقة المحمدية.. "الذات المحمدية أول قابل لتجليات الذات الإلهية، وهي المشار اليها في حديث جابر بن عبد الله الأنصاري.. قال جابر: قلت:( يا رسول الله، بأبي أنت، وأمي، أخبرني عن أول شئ خلقه الله.. قال: أول ما خلق الله نور نبيك يا جابر.)
والذات المحمدية حقيقة أحمدية، قمتها ولاية،وقاعدتها نبوة.. ومقامها المقام المحمود الذي قامه النبي ليلة عرج به بعد أن جاوز سدرة المنتهى، وفيه صح له الاتصاف بقوله تعالى:( ما زاغ البصر وما طغى). وذلك في جمعية بلغت فيها وحدة الذات البشرية قمة طوعت لها شهود الذات الإلهية.." لاحظ أنه يتحدث عن "الذات المحمدية" .. فهي ذات ـ نفس ـ وهي محمدية، نسبة لمحمد بن عبد الله.. وعن النور المحمدي، يجئ قوله تعالى: (قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين) .. وقوله: (وداعيا الى الله بإذنه وسراجا منيرا) .. وقد جاء عنه، صلى الله عليه وسلم، قوله: (كنت أول الناس في الخلق وآخرهم في البعث) .. وهو رسول لكل الناس (وما أرسلناك إلا كافة للناس، بشيرا ونذيرا).. (وأرسلناك للناس رسولا وكفى بالله شهيدا) .. والناس في هذه الآيات، وفي غيرها، تعني كل الناس، في جميع مراحل إنسانيتهم!! ولكنها تعني بصورة خاصة، (الناس) في مراحل تحقيق إنسانيتهم!! قال تعالى: (هو الذي ارسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا) .. ولما يظهر الاسلام على الدين كله، وإنما ظهوره أمامنا، وذلك وعد غير مكذوب، وظهوره إنما يكون بمحمد صلى الله عليه وسلم، عن طريق رسالته الأحمدية.. فهو كما أخرج الناس من الجاهلية الأولى، إلى مرحلة الإيمان، سيخرجهم من الجاهلية الثانية الى الاسلام، وقد جاء من كتاب الطريق "محمد وهو رسول للأمة المسلمة، صاحب رسالة أكبر منه وهو رسول للأمة المؤمنة.. فهو في رسالته للمسلمين، أحمدي، وفي رسالته للأمة المؤمنه محمدي، وسبب الفرق بين الرسالتين حكم الوقت.." وجاء من كتاب (تعلموا كيف تصلون) قوله: "هذه البشرية التي سيجيء منها (الأخوان)، رسولها (محمد)، وكتابها القرآن ، ودينها الإسلام.."
وفي خاتمة كتاب الطريق، جاء: "ثم أما بعد ، فإن هذه دعوة إلى الله ، داعيها محمد ، وهاديها محمد .. وهي دعوة وجبت الاستجابة لها أمس وتجب الاستجابة لها اليوم ، كما وجبت أمس ، وبقدر أكبر ، إذ الحجة بها اليوم ألزم منها بالأمس. (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله) وإلا فلا .
يا أهل القرآن ، لستم على شئ ، حتى تقيموا القرآن . وإقامة القرآن كإقامة الصلاة، علم، وعمل بمقتضى العلم. وأول الأمر في الاقامتين، اتباع بإحسان، وبتجويد لعمل المعصوم .. أقام الله القرآن، وأقام الصلاة، وهدى إلى ذلك البصائر والأبصار، إنه سميع مجيب."
وأول الاتباع بإحسان الأدب، وأدنى الأدب الصلاة اللفظية على النبي صلى الله عليه وسلم، كلما ذكر.. وروح الأدب (الحضور)!! الله حاضر ، نحن الغافلون عنه.. والنبي صلى الله عليه وسلم حاضر، نحن الغافلون عنه، وهو قد قال: (أنا جليس من صلى عليَ)، فمن الأدب استشعار حضوره دائما.. ومن الأدب أن نعلم أنه أعلم بخيرنا، منا، وأحرص على خيرنا، منا، وأولى بنا، منا (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم).. (لقد جاءكم رسول من أنفسكم ، عزيز عليه ما عنتم، حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم)..وهو قد قال: (لا يشتاك أحدكم الشوكة إلا وجدت ألمها).. وقال: (المرء مع من أحب) .. وقال تعالى، في حق الأدب معه: (فلا وربك، لا يؤمنون، حتى يحكموك فيما شجر بينهم، ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت، ويسلموا تسليما)..وقال: (لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي، ولا تجهروا له بالقول، كجهر بعضكم لبعض أن تحبط اعمالك وانتم لا تشعرون!!) "أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون؟" هذا أمر جد خطير!! وبكل أسف، ما أكثر سوء الأدب مع الجناب النبوي الشريف، ومن رجال يزعمون أنهم قادة اسلاميون!!
إن من يعرف القدر اليسير عن النبي صلى الله عليه وسلم ـ وهو انسان طبيعي ـ لابد أن يحبه، فالنفس من طبيعتها، أن تحب الكمال، كما أنه من طبيعتها أن تحب ما فيه خيرها، والنبي الكريم، هو وسيلة خير كل نفس، ولا سبيل للخير الباقي من دونه..
لقد قصدنا بحديثنا هذا الموجز، عن قدوة التقليد، أن نجعل منه، مدخلا، لحديثنا عن موضوع المنهاج.. والحديث سوف يشمل كل القضايا الأساسية التي سبق أن تحدثنا عنها، وعلى رأسها قضية إنسانية الإنسان، وقضية الحياة، والفكر والحرية.. وهو يشملها من زاوية الجانب العملي التطبيقي.