إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..
الأستاذ محمود في الذكرى الثانية والعشرين
محاولة للتعريف بأساسيات دعوته (١٢)
خالد الحاج عبد المحمود
بسم الله الرحمن الرحيم
الأستاذ محمود محمد طه في الذكرى الثانية والعشرين
محاولة للتعريف بأساسيات دعوته
(12)
المنهاج
لقد ذكرنا في الحلقة الأولى من هذه السلسلة أن "للتوحيد في الاسلام، وجهتين، متكاملتين، لا تقوم إحداهما عند المسلم إلا بالأخرى.. الوجهة الأولى تتعلق بالبعد الوجودي الذي تقوم عليه حقائق الأشياء، ويعبر عن الذات الإلهية، وهذا ما أسماه المفكرون الذين تحدثنا عنهم " "نظرية في الكون"، والوجهة الثانية هي ما يقوم عليه السلوك العملي، ويوجه الحياة، والفكر، عند المسلم.. فلا مجال لإدراك نظرية الإسلام في الكون، والتطور في مراقيها، إلا عن طريق المنهاج العملي الذي يقوم على التوحيد، والذي تجسده حياة النبي محمد عليه أفضل الصلاة، وأتم التسليم، والذي سبق أن أشرنا إليه.. فالتوحيد هنا صفة الموحد، بكسر الحاء ـ صفة الإنسان، الذي يتحقق بالتوحيد، وكلمة التوحيد "لا إله إلا الله" هي هادي التوحيد.. ولا إله إلا الله، جاء بها جميع المرسلين، مبناها واحد، لكن المعنى يختلف اختلافات كبيرة، يقول المعصوم: (خير ما جئت به انا والنبيون من قبلي، لا إله لا الله).. ولا إله إلا الله، تعني لا فاعل في الوجود، لكبير الأشياء ولا لصغيرها إلا الله.. تعني وحدة الفاعل.. وأمر وحدة الفاعل هذا هو أمر الاسلام ـ الاسلام العام والاسلام الخاص ـ ففي الاسلام العام، الوجود كله مسلم لله، منقاد له، كان، ولا يزال، ولن ينفك، ولكن الوجود دون الإنسان مسلم لله كرها.. وقد مد الله تعالى، بمحض فضله لطليعة الوجود ـ الإنسان ـ أن يشعر بأنه صاحب إرادة مستقلة، عن الله.. وبذلك أصبحت هنالك إرادتان: إرادة الله تعالى، المحققة، وإرادة الإنسان المتوهمة.. فبظهور الإنسان وظهور العقل، والإرادة البشرية، جاء الخطاب بالإسلام الخاص ـ اسلام البشر ـ الذي بدأ بآدم عليه السلام.. والإسلام هذا، هو منهاج حياة، يهدف الى قيادة الإنسان، عن طريق عقله، إلى أن يسلم إرادته الحادثة المتوهمة، إلى إرادة الله تعالى، القديمة ، المحققة، فتكون إرادته بذلك، إرادة حقيقية نافذة، لأنها اصبحت مطابقة للإرادة الإلهية، النافذة ومنسجمة معها..
والتسامي في درجات الاسلام ، يقع في سبع درجات كما سبق أن بينا في الحلقة العاشرة.. والمنهاج هو عمل في الترقي في درجات الاسلام السبع، عن علم ، حتى يسلم الفرد لله عن رضا وطواعية، وبذلك يحقق كمال إنسانيته، كما بينا في الحلقة الثانية.
والعمل في المنهاج، كما هو واضح، يقوم على تقليد النبي عليه أفضل الصلاة، وأتم التسليم، على اعتبار أنه الإنسان الكامل، الذي باتباعه، وتقليده، يحقق كل سالك، وفق نهجه، كمالاته الذاتية. وهذا يقتضي، منا الحديث عن قدوة التقليد، وحكمة التقليد، والكيفية المثلى للتقليد، التي تفضي الى ما هو مطلوب، من تحقيق لكمال حياة الفكر والشعور.. ولذلك قيل: "بطريق محمد أصبح الدين منهاج سلوك، به تساس الحياة لترقى الدرجات نحو الحياة الكاملة.. حياة الفكر، وحياة الشعور.."
لقد ذكرنا أن غاية الوجود الحادث هي، انجاب "الخليفة" ـ خليفة الله في الأرض ـ (إني جاعل في الأرض خليفة).. وهو الإنسان .. وقد سخر الله تعالى جميع ما في الوجود لتحقيق هذه الغاية (وسخر لكم ما في السموات، وما في والأرض جميعا منه).. ولذلك غاية الانسان، هي تحقيق هذه الخلافة، وهي هي الاسلام الاخير ـ الدرجة السابعة من درجات الترقي في مراقي الاسلام ـ كما هي، هي ايضا، تحقيق انسانية الانسان، والعيش في مستوى الحياة العليا.. وقد سبق أن ذكرنا أن الانسان، طالما سيطرت عليه صفات الحيوان، خضع لها، او قاومها، فهو في الحياة الدنيا.. فالمنهاج هو وسيلة تحقيق كل ذلك.. ونحن لنا الى هذا الأمر عودة.
نحب هنا ان تكون بدايتنا، الحديث عن قدوة التقليد محمد عليه أفضل الصلاة، وأتم التسليم.. فهو النموذج الانساني، الذي وضعه الله تعالى، للانسانية جمعاء، ليحقق كل فرد من افرادها، انسانيته عن طريق اتباعه وتقليده.. والأستاذ محمود عندما يدعو لطريق محمد صلى الله عليه وسلم، انما يتحدث عن تجربة، عاشها، وعرفها، ووجد ثمارها، واستيقن من نتائحها عن علم وعن تجربة.. فهو لم يدع، لاتباعه، ولا لاتباع أي شخص آخر غير النبي المعصوم.. وهو عندما يدعو الناس (للطريق) انما يدعوهم لأنفسهم، ولخير أنفسهم.. وهو لا يشترط في المتبع أن يكون معه.. فهو قد قال، في عديد المرات، قد يكون الفرد بيننا، وهو ليس بجمهوري، وقد يكون غيره، لم نره، وهو جمهوري.. فاسم (حمهوري)، اسم تسببت فيه ملابسات تاريخية، ولكن أساس الدعوة هو طريق محمد عليه أفضل الصلاة، وأتم التسليم .. وهذا هو الفيصل في أمر الدعوة.. وقد يرى كثير من المسلمين، انهم يتبعون النبي عليه السلام، ولكن هذا غير الحق، وسيتضح ذلك بوضوح عندما ننتهي من حديثنا عن المنهاج في هذه الحلقة.. ولكن المفارقة تبدأ من معرفة النبي نفسه، ولذلك سنركز عليها