إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..
الأستاذ محمود في الذكرى الثانية والعشرين
محاولة للتعريف بأساسيات دعوته (٩)
خالد الحاج عبد المحمود
الأستاذ محمود محمد طه في الذكرى الثانية والعشرين
محاولة للتعريف بأساسيات دعوته
لغة الكلام عند البشر:
قلنا إن لغة الكلام عند البشر، هي أرقى اللغات، وأكثرها تطورا، وهي التي تعنينا بصورة خاصة، هنا، ونحن نمهد للحديث عن القرآن، والنص الديني بصورة عامة.
ولقد تطورت الدراسات اللغوية، مؤخرا في إطار الحضارة الغربية السائدة، تطورا كبيرا.. وهو تطور فيه الكثير مما هو مفيد ولكن معظمه غث، شديد الغثاثة، فقد ظهرت العديد من النظريات اللغوية، والدراسات النقدية، التي تزعم لنفسها (العلمية)، مجاراة لمناهج العلم المادي التجريبي، وطبيعته المادية. ولقد كانت المحاولة، منذ وقت مبكر، قائمة لربط النقد الأدبي، بالمعارف الانسانية المختلفة، من فلسفة، وعلم نفس، واقتصاد، وسياسة، وانثربولوجيا... الخ، وكل ذلك ترك آثاره على اللغة، وعلى النص، الأمر الذي ادى في بعض الجوانب الى اشكالية حقيقية في الغرب، انعكست على عالمنا الشرقي.. لقد ظهرت في الخمسينات من القرن الماضي، الحاجة الى نظرية تعين على تفسير النصوص، والتعامل النقدي معها، وظهر تعارض واضح بين العلم التجريبي، والابداع الأدبي والفني.. وقد لخص (فنسنت لينش)، التعارض بين هذين المحورين، في مجال البعد الأدبي بقوله: "تستطيع تصور تاريخ المشروع النقدي أو التفسيري، باعتباره حركة دائمة بين علم صارم يحاول الوصول الى قواعد بنائية، وفن يرفض الانضباط ويحتفي بالقرآءة الخلاقة"
تعتبر (الشكلية الروسية) عند كثير من النقاد هي بداية التحول في التعامل النقدي، مع النصوص الابداعية، في بداية القرن العشرين، على اعتبار انها ادت الى تحول جذري في المعايير النقدية، تتمثل في التحول من (ماذا) يقول النص، الى (كيف يقول النص ما يقوله)؟ وكثير من النقاد يعتبرون مدرسة (النقد الجديد) و (الشكلية الروسية) تقومان على النقد الشكلاني formalist .. ثم ظهرت مدارس (البنيوية الأدبية) التي افرزتها الحداثة الثقافية، ومذاهب (التلقي والتفكيك) التي أفرزتها ما بعد الحداثة، والى مدرسة (النقد الثقافي) الحديثة.. وقد قامت المدارس الحداثية، وما بعد الحداثية على الغموض المفرط.. وأصبحت هنالك صور من (الموضة) النقدية، والتعامل مع النص بصورة متحررة من كل قيد.. وصلت الفوضى، الى حد اعلان (موت الكاتب).. وكان كل هذا يجد صدى عند مثقفينا، ويردد بعضهم صور (الموضة) التي ترد من الغرب، بصورة ببغاوية... واشتهر في هذا الجانب بالذات (دريدا) و(ليمون بارت) وآخرين غيرهم.. ونحن هنا لسنا بصدد متابعة هذا الأمر، ويمكن لمن شاء أن يرجع الى كتابات د. عبد العزيز حمودة و د. مصطفى ناصف.
إن الذي يعنينا بصورة خاصة هو التطور الايجابي في الدراسات اللغوية، فنحن هنا نتعامل مع اللغة في اطار محدود، هو التمهيد للحديث عن النص الديني، واهمية اللغة للفكر.. فاللغة عند البشر مرتبطة ارتباطا وثيقا بالفكر وبالمعرفة، حتى أنه يبدو وكأنه لا فكر بدون لغة!! وفي هذا المعنى يقول د. مصطفى ناصف: " لنقل اذن أن اللغة لا تنفصل عن عمل الذهن.. التفكير عمل لغوي، وحين نفكر نقوم بعمل من صميم العربية نظام كلماتها هو نظام تفكيرنا، وربما لا يكون هو نظام غيرنا من الذين يكتبون ويتحدثون بلغة أخرى".. ويقول: "اللغة هي جهد الانسان في التعرف والادراك والتمييز.. إننا ننمو من خلال اللغة، وإن لغة المتحضر تسهم في تحضره، كما تسهم لغة البدوي في بداوته، عقولنا من بعض النواحي، هي لغتنا.. لذلك وجود كلمة أو غيابها في لغة أمرا ذي بال" - اللغة والتفسير والتواصل -
ونحن وإن كنا نرى بعض المبالغة في اقوال د.مصطفى ناصف، الا أنه لاشك عندنا أن اللغة وسيلة اساسية من وسائل المعرفة، كما انها في بعض الأحيان، وسيلة أساسية من وسائل الحجب عن المعرفة!!
ومن بعض ايجابيات الدراسات اللغوية الحديثة، انها تتجه بالنقد للبلاغة في الأساليب اللغوية التقليدية، والتي تنصرف الى الشكل، دون المعنى.. يقول د. مصطفى ناصف: "يقوم الفكر الحديث على تجاوز مفهوم اللغة في البلاغة التقليدية.. فقد كانت البلاغة التقليدية تقوم على اساس أكثر بساطة مما ينبغي، ففيها لدينا لغتان: أحداهما مجردة، والثانية منمقة.. واللغة المجردة هي اللغة العادية (المأمونة)، واللغة المنمقة، لغة الشعر، تنمق أو تحسن اللغة الأولى.. وبعبارة واضحة إن لغة الشعر لا تضيف إضافة جوهرية، ولا تغيرالموقف السابق، ولا تمحوه، وإنما تقوم بعملية طلاء حتى يخيل الينا أننا تجاوزنا اللغة الأولى"