إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search

الأستاذ محمود في الذكرى الثانية والعشرين
محاولة للتعريف بأساسيات دعوته (١)

خالد الحاج عبد المحمود


الأستاذ محمود في الذكرى الثانية والعشرين
محاولة للتعريف بأساسيات دعوته


الخلق:


الخلق هو بروز المحدود، من المطلق.. أو بروز الكثيف من "اللطيف".. وهذا البروز بدأ بالتنزل الى مقام الاسم "الله".. وهومقام "الحقيقة المحمدية".. مقام الإنسان.. والحقيقة المحمدية هي أول قابل لتجلي الذات الإلهية - ونحن لنا إلى هذا الأمر عودة – فمن "اللطيف" خرج "الكثيف"، هذا في الصدور، أما في الورود، فمن الكثيف يخرج اللطيف.. فالوجود الحادث من الله صدر، وإليه يعود.
والأمر الإلهي في الخلق لا يقوم على الزمن.. فالزمن نفسه، هو من هذا "الخلق" الذي جاء به الأمر.. فالله تعالى، أوجد الوجود كله في اللازمن.. يقول تعالى: (إنا كل شئ خلقناه بقدر * وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر).. فالأمر الذي صدر به الوجود، هو واحد في الأصل.. قوله: "وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر" يشير إلى "القضاء".. وهو يقع على مستويين: مستوى خارج الزمان، عند الذات.. ومستوى داخل الزمان- وهذا الأخير تنزل من الأول، وإليه الإشارة بالتشبيه: "كلمح بالبصر".. أماالقدر، الوارد في قوله تعالى: "إنا كل شئ خلقناه بقدر" فهو تنفيذ القضاء في الزمن، على تفاوت درجات الزمن.. فالقضاء في قمته هو منطقة وحدة، تجل وتتسامى عن أن يحويها الزمان.. أما القدر فهو تنفيذ لهذا القضاء، في الزمان والمكان.. والإيمان بالقضاء والقدر، من أركان الإيمان في الإسلام.. فالله تعالى أوجد الوجود كله، في اللازمن، ولكن بروز هذا الوجود، في صورته الحسية، لا يتم إلا في الزمن.. فالقدر هو تنفيذ للقضاء، في الزمان والمكان، منجما وعلى مكث، ولذلك يقع في منطقة التعدد، والتي قمتها الثنائية.. فمنطقة الوحدة هي الأصل، أما منطقة الثنائية، وما يليها، في التنزل- في الظهور- فهي الفرع، وهي تنزل من الأصل اقتضته الحكمة الإلهية.. فالتنزلات، من الذات، إلى العلم، إلى الإرادة، إلى القدرة.. ومنطقتي العلم، والإرادة، تقعان في الملكوت.. فبالتنزل إلى القدرة، تم التنزل الى عالم الملك، حيث برز الخلق، وأخذ تجسيدا ماديا، بالمعنى الذي ندركه عن المادة.. وبذلك ظهرت ثنائية المادة والروح.
وظهور المادة، هو التنزل الى أسفل سافلين، من أحسن تقويم.. وبهذا التنزل، ظهر ثالوث الزمان والمكان، والحركة.. وهي ثلاثة وجوه، لشئ واحد، ولا يمكن الفصل بينهما.. وجميع صور المادة تجد التعبير عنها من خلال هذا الثالوث..وعلى هذا الثالوث، يقوم قيد الإطلاق، ومنه تبدأ المعرفة في أبسط صورها - الإدراك الحسي.. ثم تبدأ مسيرتها عبر محاولات التخفيف من قيد الثالوث، مستهدفة تجاوز القيد.. ولكن تجاوز هذا القيد لا يمكن له أن يتم في مرحلة الإدراك العقلي، فهي تنتهي عند مرحلة الشفعية - الثنائية - وتجاوز القيد لا يمكن أن يتم إلا في مرحلة الإدراك الوتري، وهو إدراك القلب - ونحن سنتعرض لهذا الأمر عندما نتحدث عن الإنسان.
والكون الحادث، في الأصل كون واحد، كان مرتتقا، ثم انفتق.. وبالفتق ظهرت صور التعدد فيه.. يقول تعالى: (أو لم ير الذين كفروا أن السموات والأرض كانتا رتقا، ففتقناهما، وجعلنا من الماء كل شئ حي..) .. والكون، كونان، االكون الخارجي، والكون الداخلي.. الكون الخارجي، هو الكون الكبير حيث مجاميع المجرات.. والكون الداخلي، هو كون المجموعة الشمسية.. وهذا الأخير، على الرغم من أنه جزء من الكون الكبير، إلا أن له أهمية خاصة، جعلته مميزا في الإسلام، وجعلت التركيز عليه، في المرحلة.. وهذه الأهمية، ترجع إلى وجود الإنسان فيه والإنسان هو خليفة الله في حالة تكوين.