إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search

عُلماء!! بِزَعْمِهِم..
الكتاب الأوّل

فتاوى السعودية والأزهر


استشهدت مذكّرة الأشياخ، كما رأيتم، بفتاوى السعودية، والأزهر، بعد أن تولّت كبر محكمة الردّة، وفتوى السعودية التي صدرت ممّن اسموا أنفسهم "برابطة العالم الإسلامي" بسبيل من تآمرهم في محكمة الردّة، وكذلك فتوى الأزهر.. ومن جانبنا، فقد أفردنا كتاباً في الرد الموسّع على تلك الفتاوى، اسميناه: "بيننا وبين الشئون الدينية وأساتذتها من أزهريين ومن سعوديين"، صدرت الطبعة الأولى منه في شعبان ١٣٩٥ﻫ، الموافق أغسطس ١٩٧٥م وقد ناقشنا فيه بإفاضة كل ما ورد من إفك رابطة السعودية، وأزهر مصر.. فليرجع إليه من يشاء من القرّاء.. ومع ذلك فلا بد لنا من وقفة عجلى في هذا المقام نستعرض فيها، في إجمال، افتراءات رابطة السعودية، وبهتان أزهر مصر، حتى ينجلي الموقف للشعب فيأخذ حذره من أعدائه.. ولمصلحة القرّاء نورد هنا طرفاً ممّا جاء في مقدمة كتابنا آنف الذكر:
((منذ أيّام قلائل وقعت في أيدينا ثلاث رسائل: الأولى من الأمانة العامّة لرابطة العالم الإسلامي بمكّة، والثانية من الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، وهاتان الرسالتان موجهتان للشئون الدينية بالسودان، وفي كلتيهما تدخّل سافر، وغير كريم، في أخص شئوننا الداخلية، لا ترضاه نفس حر، ولا يقبله عقل كريم، ذلك أنّه يحط من قدرنا كأمّة لها اعتبارها، وكشعب له كينونته ومميّزاته، ثم هو بعد ذلك كلّه يقدح ويجرح من كرامتنا التي اشتهرنا بها على مرّ العصور، وفي أحرج الأوقات.. والتي عبّر عنها يوماً الأستاذ محمود محمّد طه في خطاب مفتوح للمرحوم محمّد نجيب قال فيه: ((إنّ السودانيين قوم يؤذيهم أن يطمع طامع فيما يحمون كما يؤذيهم أن يبالغ في العطف عليهم العاطفون)) فيجب علينا اليوم أن نردّد بحالنا ومقالنا، هذه العبارات المضيئة المشرقة لتنير لنا طريق الحرّية، ولتفتح أمامنا أبواب المجد، فنحفظ تراثنا وندفع عن كرامتنا))

ثم تذهب المقدمة لتقول:
((وقد اتجهت الرسائل الثلاث ـ بما فيها رسالة الشئون الدينية في الرد على فتوى الأزهر ـ إلى الخوض في عرض الجمهوريين على غير هدى ولا بيّنة ولا كتاب منير، وبجرأة على الحق لا يملكها العارفون، ولقد عمدت تلك الرسائل إلى تشويه أفكارنا وإثارة الفتن حول دعوتنا، على نحو لا يليق إلا بتلك الجهات المشبوهة التي تحكي، وتدّعي الدين، بلا دين، وممّا يدعم رأينا ويؤكّد اتّهامنا بتآمر تلك الجهات، مجتمعة على دعوتنا، أنّهم قد اتّجهوا جميعاً، وفي خبث واضح إلى استعداء السلطة علينا، ومطالبتها بتحريم نشاطنا، ومصادرة أفكارنا، ولكن هيهات! فإنّ الله معنا، وهو حسبنا ونعم الوكيل!!))

نكتفي بهذا القدر من مقدّمة كتاب "بيننا وبين الشئون الدينية وأساتذتها من أزهريين ومن سعوديين" بعد أن نذكّر القرّاء بأنّ مذكّرة "أشياخ السودان" اتّجهت في نفس طريق التآمر المطروق، وهكذا تقاربت الشكول مع الشكول، واجتمعت النظائر بالنظائر، ولكن لا ضير!! فإنهم ((يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم، والله متم نوره، ولو كره الكافرون)).. وفيما يلي سنواجه أهم ما حوته تلك الفتاوى من الكيد: -

دعوى الرسالة:


زعمت فتوى السعودية عن الأستاذ محمود محمّد طه أنّه ادّعى "الرسالة".. ونحن ننفي هذا الزعم الباطل نفياً قاطعاً، وننقل هاهنا لقرّائنا من مؤلّفات الأستاذ محمود ما يدحض هذا الافتراء: -
جاء في مقدّمة الطبعة الثالثة من "طريق محمّد" للأستاذ محمود محمّد طه ما نصّه:
((ويؤخـذ من دقائـق حقائق الدين أنّ نبينا رسول الأمّتين: الأمّة المؤمنة ـ الأصحاب ـ.. والأمّة المسلمة ـ الأخوان ـ.. وأنّه بذلك صاحب رسالتين: الرسالة الأولى محمّدية، والرسالة الثانية أحمدية.. أو قل الرسالة الأولى الشريعة التي فصّلها للأمّة، والرسالة الثانية السنّة التي أجملها، ولم يفصّلها إلا في معنى ما مارسها، وعاشها دماً ولحماً..))..

وجاء في مقدّمة الطبعة الرابعة من كتاب "الرسالة الثانية" ما نصّه:
((فالسـنّة هي شريعة النبي الخاصة به.. هي مخاطبته هو على قدر عقله.. وفرق كبير بين عقله، وبين عقول عامة الناس.. وهذا نفسه هو الفرق بين السنّة والشريعة.. وما الرسالة الثانية إلا بعث هذه السنّة لتكون شريعة عامة الناس))..

فما رأي القرّاء بعد هذا البيان فيما ردّده أشياخ السعودية، وأشياخ الأزهر، وأشياخ السودان في آخر الأمر؟؟
ومن مزاعمهم أنّ الأستاذ محمود محمّد طه ادّعى أنّه المسيح المنتظر.. وأيضاً ننفي من جانبنا هذا الزعم نفياً قاطعاً.. ونورد هنا ما سبق أن أوردناه في كتابنا "بيننا وبين الشئون الدينية وأساتذتها من أزهريين ومن سعوديين" حتى يقف القرّاء على الحقيقة كما هي عندنا:
((وأوّل ما يقال عن هذا الأمر، أنّه لم يرد عنّا ادّعاء لمقام المسيح في أي من كتبنا أو أحاديثنا وذلك لسبب بسيط وبديهي وهو أنّ المقامات لا تنال بادّعائها، كما أنّه ليس من أدب الدين في شيء ادعاء المقامات، لأنّ الادّعاء في شرعة التوحيد عجز عن الوفاء بالتزام واجب العبودية نحو الربوبية ثم لأنّ التستر خلف الاسماء الكبيرة والمقامات العالية ينطوي على شيء من الإرهاب الفكري للناس الذين يريدون حلاً لمشاكلهم، ولذلك فإنّنا حريصون، أشد الحرص على عرض المحتوى الموضوعي للإسلام، بعد نفي الغموض الديني عنه، وعلى نحو يبرز للناس فضيلة الإسلام التي لا تُجارى، فيسلكوا إلى الله على فكر ويقين.. ومهما يكن من الأمر، فإنّ قولنا هذا، ليس مقصوداً منه أن ينفي مجيء المسيح، فإنّ ذلك أمر مفروغ منه في الدين بالضرورة، وإنّما قصدنا به إلى نفي فِرْية ادّعائنا لذلك المقام، لأنّه من الجهل بمكان إضاعة الوقت في ادّعاء مقام لا يكون إلا بالتحقيق ولا يُجلى إلا لوقته في اليوم الموعود))..

نكتفي بهذا القدر عن هذه الفِرْية الكاذبة وننتقل إلى ما بعدها من قولهم أنّ الأستاذ محمود محمّد طه ينكر الجزء الثاني من الشهادة أي أنّه ينكر "محمّد رسول الله"، ((كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا)). ولعلّنا لا نحتاج لإيراد النصوص لمواجهة هذه الفرية إذ سبق لنا أن واجهناها في الفصل الأوّل من هذا الكتاب، فلتراجع أيضاً لهذا الغرض.. ثم إنّنا قد نضيف إلى تلك المختارات من أقوال الأستاذ، وبما يفي بهذا الغرض، ما جاء في مقدّمة الطبعة الثالثة من كتاب "طريق محمّد" حيث قال:
((الذات المحمّدية أوّل قابل لتجلّيات الذات الإلهية.. وهي المشار إليها في حديث جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: ((قلت يا رسول الله بأبي أنت، وأمي، أخبرني عن أوّل شيء خلقه الله.. قال: أوّل ما خلق الله نور نبيّك يا جابر.)).. والذات المحمّدية حقيقة أحمدية، قمّتها ولاية، وقاعدتها نبوّة.. ومقامها المقام المحمود الذي قامه النبي ليلة عرج به بعد أن جاوز سدرة المنتهى، وفيه صح له الاتصاف بقوله تعالى: ((ما زاغ البصر، وما طغى)). وذلك في جمعية بلغت فيها وحدة الذات البشرية قمّة طوّعت لها شهود الذات الإلهية..))..

وتحت عنوان "المسلمون ما خطبهم"؟ من نفس المقدّمة قال الأستاذ:
((المسلمون، اليوم، ليسوا على شيء، وإنّما هم في التيه.. يعيشون الجاهلية الثانية ـ جاهلية القرن العشرين ـ والعاملون منهم بالدين لا يتعدى عملهم القشور إلى اللباب.. وليس لهم إلى خروج من هذا الخزي غير طريق محمّد.. ونحن إذ نقدّمه لهم في هذا الكتيب، وإذ ندعوهم إليه، ننذرهم عواقب الإبطاء في الأخذ به.. ثم إنّنا، من وراء المسلمين، وبعد المسلمين، نقدّمه للإنسانية جمعاء، فليس لها من طريق غيره إلى كمال التحرير، ولا كمال التمدين.. ومن أجل ذلك فقد جاءت عبارة إهدائه هكذا: ((إلى الراغبين في الله، وهم يعلمون، والراغبين عن الله، وهم لا يعلمون.. فما من الله بد.))..

وقد ورد أيضاً من أقوال الأستاذ في متن "طريق محمّد" ما نصّه:
((إنّنا قد استيقنا من أنّه بتقليد محمّد تتوحّد الأمّة ويتجدّد دينها، ولذلك فإنّا قد جعلنا وكدنا تعميق هذه الدعوة، ونقدّم فيما يلي نموذجا يعين كل من يريد أن يتّخذ إلى الله سبيلاً.))..

والآن ما رأي الشعب في هذه الأكاذيب؟ وما رأيه في مشائخه الذين يردّدون هذه الأباطيل، حسداً من عند أنفسهم، وإضلالاً عن سبيل الله؟؟ ثم هم مع ذلك يصرّون على أن يسمّوا أنفسهم "علماء السودان"!!
نكتفي بهذا القدر من فتوى السعودية، إذ أنّ بقية مفترياتها ستأتي فيما يقبل من صفحات الكتاب، وضمن مواجهتنا لمذكّرة "أشياخ السودان" حيث أنّ خطوط التآمر الرجعي واحدة، ومتّفق عليها..
أمّا فتوى الأزهر، فقد كانت كذبة افتعلوها في غير حياء أو خجل وقد رددنا عليهم بما يخرس ألسنتهم، ولكن مصيبتنا كبيرة في مشائخنا الذين يسمّون أنفسهم "علماء السودان"، وهم يردّدون على غير وعي منهم، وفي سبيل معارضتنا والإستعداء علينا، أكاذيب لا وجود لها.. ولكن لا ضير!! فإنّ الله قد ينصر هذا الدين بالرجل الفاجر، كما جاء في الحديث الشريف.. وفيما يلي سننقل من كتابنا "بيننا وبين الشئون الدينية وأساتذتها من أزهريين ومن سعوديين" بعضاً ممّا واجهنا به الأزهر في الرد على فتواه آنفة الذكر:
((ومن أهم ما جاء في خطاب الأزهر قولهم عن دعوتنا "قد وقع تحت يدي لجنة الفتوى بالأزهر الشريف كتاب الرسالة الثانية من الإسلام تأليف محمود محمّد طه طبع في أم درمان الطبعة الرابعة عام ١٩٧١ وقد تضمّن هذا الكتاب أنّ الرسول بعث برسالتين فرعية ورسالة أصلية وقد بلّغ الرسالة الفرعية. وأمّا الأصلية فيبلّغها رسول يأتي بعد لأنّها لا تتفق والزمن الذي فيه الرسول." وممّا جاء في ردّنا عليهم قولنا: "نبادر فنقرّر أنّ كل هذا الكلام كذب واختلاق، وأنّه لم يصدر من الأستاذ محمود محمّد طه مطلقاً، وعليه، ومن باب أولى، فإنّه ليس موجوداً "بالرسالة الثانية من الإسلام" التي زعموا اطّلاع لجنة الفتوى عليها))..

فما رأي القرّاء إذن في هذا الافتراء الذي افتعله الأزهر افتعالاً ونشرته الشئون الدينية، وفي غير ورع أو حذر من كليهما؟! أمّا ماذا قال الأستاذ محمود في هذا الأمر؟؟ فدونكم كتاب "الرسالة الثانية من الإسلام" فإن فيه لكم غناء!! وأمّا في هذا المقام فسننقل للقارئ طرفاً ممّا جاء عن هذا الأمر، من نفس الكتاب، ومن نفس الطبعة الرابعة التي وردت إشارتهم إليها..
جاء في صفحتي ١٦ و١٧ من كتاب الرسالة الثانية الطبعة الرابعة ١٩٧١م ما نصّه:
((ومرحلة العلم هي مرحلة الأمّة المسلمة.. وهي أمّة الرسالة الثانية.. وهذه الأمّة لم تجيء بعد، وإنّما جاء طلائعها، فرادى، على مدى تاريخ المجتمع البشري الطويل. وأولئك هم الأنبياء، وفي مقدّمتهم سيّدهم، وخاتمهم، النبي، الأمّي، محمّد بن عبد الله، عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.. وهو قد بشّر بمجيء هذه الأمّة المسلمة، كما جاء برسالتها، مجملة في القرآن، مفصّلة في السنّة))

ثم يمضي السياق إلى أن يقول:
((إنّ محمّداً رسول الرسالة الأولى، وهو رسول الرسالة الثانية.. وهو قد فصّل الرسالة الأولى تفصيلا، وأجمل الرسالة الثانية إجمالا، ولا يقتضي تفصيلها إلا فهما جديداّ للقرآن، وهو ما يقوم عليه هذا الكتاب الذي بين يدي القرّاء..))..

هذا ما كان من أمر الأزهر، فما رأي القرّاء في الأزهر بعد افتعال هذه الأكاذيب؟؟ ثم ما رأيهم في أشياخنا الذين يتّبعون الهوى ليضلّوا عن سبيل الله بغير علم ولا هدى، ولا كتاب منير؟؟ نكرّر ما رأي القرّاء بعامة ورأي المثقّفين بخاصة، في أمثال هؤلاء الأشياخ؟؟ فهل ينصل المثقّفون عن أمانة العلم فيتركوا لهؤلاء الأشياخ الحبل على الغارب، ومن غير أن يحاسبوا، أو يسألوا؟؟