إجْلاله وَتَوْقيره صَلَّى الله عَلَيْه وَسَلّم
أثارت المذكّرة، كما قد رأيتم، مسألة محكمة الردّة، واعترفت بأنّ المشايخ الموقّعين عليها كانوا وراء تلك المهزلة المؤسفة، هذا بالإضافة إلى عديد الموضوعات التي طرقتها المذكّرة في غير ورع، ولا حذر، وبتشويه متعمّد، ونقل مخل، بغية تضليل السلطة، وتضليل الشعب.. ولكن ذلك الباطل المكشوف لن يجوز على أحد، بعد اليوم، بإذن الله، لاسيما وقد استحلّت المذكّرة العرض النبوي الشريف، فجرجرته من أجل إنجاح المؤامرة، من غير أدنى اعتبار لمكانته المعظّمة في النفوس، ولعرضه الشريف الذي يجب أن يلقى الإكبار، والإجلال، والتعظيم، حتّى يكون محفوظاً من عبث العابثين، ومن سفه السفهاء.. ولكن أشياخ المذكّرة ـ عفا الله عنهم ـ قد ذهبوا من أجل الدنيا، وبسبب من رقّة دينهم، كما رأيتم من المذكّرة، في تقليل قدره، مذاهب بلغت حد الجرأة على نعته صلّى الله عليه وسلّم بألفاظ، وعبارات نعف عن إيرادها، ونتألّم أشد الألم، أن تقرأها الأعين، أو تلوكها الألسن.. من أجل هذا فإنّنا سنوظّف هذا الكتاب، وفي الأساس لدحض هذه الفرية، ومحو آثار ذلك الإفك.. ولولا بقية من شفقة عليهم لابتهلنا إلى الله أن يجعل لعنته على الكاذبين..
ونحن نعلم قبل غيرنا أنّ العرض الشريف مصون في حرز الله المتين، ومحفوظ بفضل الله، ثم بفضل الكمال النبوي من افتراء المفترين، ومكابرة المكابرين، ممّا لا يحتاج منّا إلى دفاع، أو إلى مدح بعد أن دفع الله عنه غائلات السوء، ومدحه في محكم التبيان.. ولكنّا نحتاج أن ندافع عن أنفسنا وأن نبصّر شعبنا المُستَهْدَف للتضليل بحقيقة ما نعتقد، وما نعلم، عن فضله، عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.. ومع أنّنا نثق، كل الثقة، في أصالة شعبنا، وفي معرفته إيّانا، من خلال ممارستنا للدعوة، ومن خلال معاملتنا، إلى الحد الذي لا يقبل، بأي حال، أن يقال في عرضنا ما تجرّأ عليه هؤلاء النفر من مشائخ "الطرق" ومن مشائخ "الفقه".. ولكنّنا وبرغم تلك الثقة، نخشى من مسئولية التقصير في هذا الواجب الهام، حتى لا يقع أحد في عرضنا بجهالة.. وعليه فسنولي هذا الجانب من مذكّرتهم عناية خاصة، حتى نطلع القارئ على حقيقة الأرض التي نقف عليها من حبه وتوقيره صلّى الله عليه وسلّم.. ومن أجل ذلك فسنبدأ بهذا الفصل من تلك المذكّرة العجيبة، ثم نوالي أطرافها بالرد، والتبيين، على نحو يُطيش صواب المبطلين.. والله الموفق، والهادي، إلى صراط العزيز الحميد..
ممّا جاء في المذكّرة عن هذا الأمر الخطير قولهم:
((وقد قال القاضي عياض أجمعت الأمّة على وجوب قتل منتقصه صلّى الله عليه وسلّم من المسلمين ـ ومحمود محمّد طه قد انتقص الرسول بل اتّهمه بالخيانة وعدم التبليغ وهذا أكبر انتقاص له صلّى الله عليه وسلّم. فيقول في كتابه (الرسالة الثانية من الإسلام) ما نصّه: "إنّ الإسلام رسالتان رسالة أولى قامت على فروع القرآن ورسالة ثانية تقوم على أصوله. ولقد وقع التفصيل على الرسالة الأولى ولا تزال الرسالة الثانية تنتظر التفصيل وسيتفق لها ذلك حين يجيء رجلها وحين تجيء أمّتها وذلك مجيء ليس منه بد (كان على ربّك حتماً مقضياً)" )) ثم تقف المذكّرة عند هذا الحد من النقل من كتاب "الرسالة الثانية من الإسلام" لتذهب في تخريجات سقيمة لا صلة لها بما نقلته المذكّرة من "كتاب الرسالة الثانية من الإسلام" اسمعها تقول: ((ويلزم من هذا أنّ الرجل الذي سيجيء ليفصل أصول القرآن هو خاتم النبيين ويلزم من هذا أيضاً أن محمّداً قد خان رسالة ربّه، الذي أمره بتبيين جميع القرآن أصوله وفروعه فقال تعالى: "وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزّل إليهم"
فالليالي من الزمان حبالى مثقلات يلدن كل عجيب)).
هذا ما ذهبت إليه مذكّرة الأشياخ، وهو قول مؤسف، وتأويل من النص لا يستند على شيء، اللهم إلا رغبتهم في تجريمنا، ولو كانوا يطلبون حقيقة لأغنتهم النصوص المستفيضة من كتبنا عن هذا التخريج الغريب، وعن هذا الافتراء الساذج. فلنقرأ هنا جميعاً ماذا قال الأستاذ محمود عن هذا الأمر في كتاب "الرسالة الثانية من الإسلام" قال:
((والحق أن كثيراً ممّن يعترضون على دعوتنا إلى الرسالة الثانية من الإسلام لا يعترضون على محتوى هذه الدعوة، بل إنّهم قد لا يعيرون محتوى الدعوة كبير اعتبار.. وإنّما هم يعترضون على الشكل.. هم يعترضون على أن تكون هناك رسالة، تقتضي رسولاً، يقتضي نبـوّة، وقد ختمت النبـوّة، بصريح نص، لا مريّة فيه.. وإنّه لحق أنّ النبـوّة قد ختمت، ولكنه ليس حـقاً أنّ الرسالة قد ختمت: ((ما كان محمّد أبا أحد من رجالكم، ولكن رسول الله، وخاتم النبيين.. وكان الله بكل شئ عليما)).. ومعلوم أنّ كل رسول نبي، وليس كل نبي رسولاً.. ولكن النبوّة ما هي؟؟ النبـوّة هي أن يكون الرجل منبّأ عن الله، ومنبّئاً عن الله.. أي متلقّياً المعارف عن الله بواسطـة الوحي، وملقياً المعارف عن الله إلى الناس، على وفق ما تلقّى، وبحسب ما يطـيق الناس.. فبمرتبة التلقّي عن الله يكون الرجل نبياً، وبوظيفة الإلقاء إلى الناس يكون رسولاً.. هذا هو مألوف ما عليه علم الناس.. ولكن هناك شيئا قد جدّ في الأمر كلّه، ذلك هو معرفة الحكمة وراء ختم النبوّة بمعناها المألوف.. لماذا ختمت النبوّة؟؟
أوّل ما تجب الإشارة إليه هو أنّ النبـوّة لم تختم حتّى استقرّ، في الأرض، كل ما أرادت السماء أن توحيه، إلى أهل الأرض، من الأمر.. وقد ظلّ هذا الأمر يتنزّل على أقساط، بحسب حكم الوقت، من لدن آدم وإلى محمّد.. ذلك الأمر هو القرآن.. واستقراره في الأرض هو السبب في ختم النبوة.. وأمّا الحكمة في ختم النبوّة فهي أن يتلقّى الناس من الله من غير واسطة الملك، جبريل - أن يتلقّوا عن الله كفاحاً - ذلك أمر يبدو غريباً، للوهلة الأولى، ولكنّه الحق الذي تعطيه بدائه العقول، ذلك بأنّ القرآن هو كلام الله، ونحن كلّما نقرؤه إنّما يكلّمنا الله كفاحاً، ولكنّا لا نعقل عنه.. السبب؟ أنّنا عنـه مشغـولون.. قال تعالى في ذلك: ((كلا!! بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون * كلا!! إنّهم عن ربّهم يومئذ لمحجوبون)).. وإنّما جاء القرآن بمنهاج شريعته، ومنهاج طريقته، وبأدبه في كليهما، ليرفع ذلك الريـن، حتّى نستطيع أن نعقل عن الله ما يحدّثنا في القرآن، فإذا وقع هذا الفهم لرجل فقد أصبح مأذوناً له في الحديث عن أسرار القـرآن، بالقدر الذي وعى عن الله..))..
وجاء أيضاً في "كتاب الرسالة الثانية" الطبعة الرابعة صفحة ١٧ من أقوال الأستاذ في توضيح هذا الأمر ما نصّه:
((إن محمداً رسول الرسالة الأولى، وهو رسول الرسالة الثانية.. وهو قد فصّل الرسالة الأولى تفصيلاً، وأجمل الرسالة الثانية إجمالاً، ولا يقتضي تفصيلها إلا فهماً جـديداً للقـرآن، وهو ما يقوم عليه هذا الكتاب الذي بيـن يـدي القـراء..))
ورد أيضاً من أقوال الأستاذ محمود محمّد طه في كتاب "طريق محمّد" الطبعة الثامنة صفحة ١٧ وتحت عنوان (من هو محمّد) ما نصّه:
((محمّد، بن عبد الله، بن عبد المطلب، النبي الأمّي، المبعوث من قريش في الأمّيين منذ القرن السابع، والذي ختم الله به النبوّة، وأنزل عليه القرآن المقروء اليوم، والمحفوظ بين دفّتي المصحف، لا يعرفه المسلمون وإن ظنّوا جهلاً أنّهم يعرفونه.. وهذه الدعوة إلى اتباعه، وحسن تقليدِه التي يقدمها هذا الكتيب: ((طريق محمّد)) لا تستقيم، على خير وجوهها، إلا إذا قدّمت تعريفاً به يجعل اتّباعه، وتقليده، عملاً علمياً يحترم أقوى العقول المعاصرة، ويقنعها بجدوى ممارسته، وإتقانه..))
وجاء أيضاً في كتاب "قل هذه سبيلي" الصادرة الطبعة الأولى منه في ١٩٥٢ من أقوال الأستاذ:
((ولكن كيف يُمَرِّن الإنسان نفسه بطريقة منظمة على أن يحيا دائما في حالة من الوعي الداخلي واليقظة وضبط النفس؟؟ الجواب قريب: ((أن يقلِّد محمّداً فى منهاج حياته تقليداً واعياً مع الثقة التامّة بأنّه قد أسلم نفسه إلى إرادة هادية ومهتدية، تجعل حياته مطابقة لروح القرآن وشخصيّته متأثّرة بشخصية أعظم رجل وتعيد وحدة الفكر والعمل فى وجوده ووعيه كليهما، وتخلق من ذاته المادية وذاته الروحية كلاً واحداً متسقاً قادراً على التوفيق والتوحيد بين المظاهر المختلفة فى الحياة))
وجاء أيضاً من منشور أصدره الأستاذ محمود محمّد طه يوم الثلاثاء ٢٥ ذو الحجّة ١٣٨٤ﻫ الموافق ٢٧/٤/١٩٦٥م والصادر أيضاً في الطبعة الأولى من كتاب (طريق محمّد) في مارس ١٩٦٦م ما يأتي:
((إنّ محمداً هو الوسيلة إلى الله وليس غيره وسيلة منذ اليوم ـ فمن كان يبتغي الي الله الوسيلة التي توسله وتوصله إليه، ولا تحجبه عنه أو تنقطع به دونه، فليترك كل عبادة هو عليها اليوم وليقلد محمداً، في أسلوب عبادته وفيما يطيق من أسلوب عادته، تقليداً واعياً، وليطمئن حين يفعل ذلك، أنّه أسلم نفسه لقيادة نفس هادية ومهتدية..))
وممّا جاء في الدعوة إلى طريقه صلّى الله عليه وسلّم من أقوال الأستاذ محمود محمّد طه من كتاب "طريق محمّد" قوله في صفحة ١٥ من الطبعة الثامنة
((طريق محمّد هـو الطريـق، لأنّه طريق ((المحبـّة)) الخصبـة، الخلاقـة.. قال العزيـز الحكيم عنـه: ((قل إن كنتم تحبـون الله فاتبعـوني يحببكـم الله))..
((بطريـق محمّد أصبح الديـن منهاج سلـوك بـه تساس الحيـاة لتـرقى الدرجات نحو الحيـاة الكاملة.. حياة الفكر، وحياة الشعور..))
وجاء في كتاب "طريق محمّد" أيضاً صفحة ١٢ ما نصّه:
((ويؤخـذ من دقائـق حقائق الدين أنّ نبينا رسول الأمّتين: الأمّة المؤمنة ـ الأصحاب ـ.. والأمّة المسلمة ـ الأخوان ـ.. وأنّه بذلك صاحب رسالتين: الرسالة الأولى محمّدية، والرسالة الثانية أحمدية.. أو قل الرسالة الأولى الشريعة التي فصّلها للأمّة، والرسالة الثانية السنّة التي أجملها، ولم يفصّلها إلا في معنى ما مارسها، وعاشها دماً ولحماً..))
وجاء أيضاً من أقول الأستاذ في التعريف بالنبي من كتاب "طريق محمّد" مقدّمة الطبعة الثالثة صفحة 25 ما نصّه:
((هذه نفس اكتملت لها عناصر الصحّة الداخلية، واتّسقت قواها الباطنية، وتحرّرت من الأوهام، والأباطيل، وسلمت من القلق، والخوف العنصري، البدائي، الساذج..
ما أحوج بشرية اليوم، كلّها، إلى تقليد هذه النفس التي اكتملت لها أسباب الصحّة الداخلية، تقليداً متقناً يفضي بكل رجل، وكل امرأة، إلى إحراز وحدة ذاته، ونضج فرديّته، وتحرير شخصيّته، من الإضطراب، والقلق الذي استشرى في عصرنا الحاضر بصورة كان من نتائجها فساد حياة الرجال والنساء والشبّان.. في جميع أنحاء العالم..))
وجاء في كتاب طريق محمّد الطبعة الثامنة صفحة ٢٦ وتحت عنوان التقديس والتوقير ما نصّه:
((وأيسر ما يقوم عليه التقليد النافع أن يكون صدر المقلّد منطوياً على قدر كبير من التقديس، والتوقير للنبي، وهذا ما من أجله أخذ الله الأصحاب بالأدب معه، وأمرهم بالصلاة عليه، فقال، عزّ من قائل: ((إن الله وملائكته يصلّون على النبي، يأيها الذين آمنوا صلّوا عليه، وسلّموا تسليما))..
وننقل أيضاً من أقوال الأستاذ محمود محمّد طه في تعظيم النبي صلّى الله عليه وسلّم وفي إعلاء شأنه ما جاء في كتاب (أسئلة وأجوبة) الثاني صفحة ١٢ في الرد على الأستاذ الفاتح علي مختار جاء فيه:
((وأما كيفية بلوغ المراتب، في مراقي النفوس، فقد كان يمكن التفصيل فيه، ولكنّه غير ضروري قبل الشروع في العمل: ولبداية العمل فإنّي أرشّح لك دليلاً لا يضل، ولا يضلل، وهو المعصوم، محمّد بن عبد الله.. وأوصيك.. بأمرين في ذلك: الإطلاع على كتيب الحزب الجمهوري "طريق محمّد"، ثم الإستزادة على ذلك بالإطلاع على كتب السيرة، وكتب الشمائل المحمّدية، حتّى تنشأ، بينك وبين محمّد، علائق الحب، والثقة، وتمام التسليم، والاتّباع.. فإنّك لا تسلّم لله، حتّى تسلّم لمحمّد: وإنّك لا تتبع الله حتّى تتبع محمّداً بإتقان تقليده، والعمل على منواله، عن حب وثقة، ويومها سترى ثمار قلقك الحاضر استقراراً، وطمأنينة، وعرفاناً بالله..))
وقبل أن نختم هذه الطائفة من المختارات نورد هنا ما جاء من أقوال الأستاذ في التعريف بذاته الشريفة من كتابي "أسئلة وأجوبة الثاني" و "القرآن ومصطفى محمود والفهم العصري". فممّا جاء في كتاب "أسئلة وأجوبة الثاني" وتحت عنوان "دقائق التمييز" صفحة ٤٤:
((أمران مقترنان، ليس وراءهما مبتغى لمبتغٍ، وليس دونهما بلاغ لطالب: القرآن، وحياة محمّد..
أمّا القرآن فهو مفتاح الخلود.. وأمّا حياة محمّد فهي مفتاح القرآن.. فمن قلّد محمّداً، تقليداً واعياً، فهم مغاليق القرآن.. ومن فهم مغاليق القرآن حرّرعقله، وقلبه، من أسر الأوهام.. ومن كان حر العقل، والقلب، دخل الخلود من أبوابه السبعة.))
ثم يستمر الأستاذ يحدّثنا عن القرآن وحياة محمّد إلى أن يقول:
((أمران مقترنان: القرآن، وحياة محمّد، هما السر في أمرين مقترنين: "لا إله إلا الله، محمّد رسول الله" لا يستقيم الأخيران إلا بالأوّلين..))
أمّا في مقدّمة كتاب "القرآن ومصطفى محمود والفهم العصري" الصفحة التاسعة والعاشرة فقد ورد عنه صلّى الله عليه وسلّم ما نصّه:
((ولقد جعلت هذه الحياة الثرة، الخصبة، العريضة، تجسيداً لمعاني القرآن، في الدم واللحم، فأصبحت مفتاحاً لمغاليق معانيه، وهادياً في متاهات غيوبه.. وهذا هو السر في وضع محمّد بيننا وبين الله في الكلمة التي هي باب الدخول في حضرة الملّة: (لا إله إلا الله، محمّد رسول الله).. وجاء العباد، من لدن أصحاب محمّد، وإلى أشياخ الصوفية، يترسّمون هذه الحياة.. يقلّدونها في السيرة، وفي العبادة، ما أسعفهم الوسع، وما أمكنتهم الطاقة.. وهم يتلقّون، من واردات الفهم عن الله من القرآن، ما قد جعلت العناية الإلهية بهم إتقانهم لتقليد حياة محمّد مقدّمة له، ووسيلة إليه..))
وجاء في الصفحة العاشرة:
((أنّ هناك خطأ جسيماً، وأساسياً، يتورّط فيه الدكتور مصطفى محمود فيما يخص أمر النبي وسيكون لهذا الخطأ الجسيم سود العواقب على كل ما يكتب الدكتور عن القرآن، سواء أكتب من بعيد، أو كتب من قريب.. وأس هذا الخطأ الأساسي الذي يتورّط فيه الدكتور إنّما هو ظنّه أنّ أسرار القرآن تنالها العقول، ويسبرها الفكر.. والذي عليه من أوتوا بصراً بهذا الأمر هو أنّ أسرار القرآن من وراء العقول، وأنّه لا يشم شميمها إلا من استطاع أن يرفع عن قلبه حجاب الفكر، وذلك بإتقان العبادة في تقليد محمّد، في أسلوب عبادته، وفيما يتيسر من أسلوب عادته.. ذلك بأنّ العبادة وسيلة إلى الفكر، وأنّ الفكر وسيلة إلى رفع حجاب الفكر، حيث ينتهي الإدراك الشفعي، الذي أداته العقل، ويبدأ الإدراك الوتري، الذي أداته القلب.. ودقائق أسرار القرآن وترية.. وإنّما الشفعية، والتعدّدية، في ظواهره، وحواشيه..))
وفي الصفحة ٢١٢ من نفس الكتاب يرد القول..
((وجل ما أريد هو أن يأخذ الناس – كل الناس – أنفسهم بالسير خلف المعصوم، في إتقان، وتجويد لتقليده، في أسلوب عبادته، وفيما يطيقون من أسلوب عادته، حتى يأخذوا من سمت هذه الحياة الخصبة، المهتدية، الهادية، مفتاح مغاليق القرآن، فيتهيّأوا بذلك للأخذ من الله كفاحاً، ويكون ذلك سبيلهم إلى صفاء عقولهم، وإلى سلامة قلوبهم، فتتم لهم بذلك الحياة الكاملة – حياة الفكر، وحياة الشعور..
وأخشى ما أخشاه على النشء أن يظنّوا أنّ هذا الدين دين قراءة، وتحصيل في المعاهد، على نحو ما يجري عليه العمل عندنا اليوم.. إنّ هذا الدين دين عمل.. والقاعدة في تحصيل العلم فيه قوله تعالى: (واتّقوا الله، ويعلّمكم الله..).. وقول المعصوم: (من عمل بما علم أورثه الله علم ما لم يعلم..)..))
أفبعد هذا البيان الوافي بغية لمبتغ يطمع أن يزيد في حبّه وتوقيره وتعظيمه صلّى الله عليه وسلّم؟؟ أمّا نحن فنثق أنّ كل ما قيل في تكريمه ومدحه على رفاعة ما قيل، وعلى اختلاف مراتب القائلين والمادحين، ليتضاءل، ويتواضع أمام دعوتنا المؤسّسة على حبّه وتوقيره وتقليده صلّى الله عليه وسلّم.. بل إنّنا لا نعرف أنّ هناك أحداً من السلف قد حفظ للنبي من الحب ومن المعرفة بمقامه ومن الدعوة إليه مثل ما عرف لها كتابا "رسالة الصلاة" و "طريق محمّد" فإن عرف غيرنا لهما ضريباً فليدلّنا عليه؟!
إنّنا لنثق كل الثقة، أنّ الذي يتّهمنا في ديننا، وفي ولائنا للنبي صلّى الله عليه وسلّم لمحروم، ومطرود، من حضرة جنابه الأعظم.. وإلاّ فليقل لنا أحد منكم يا هؤلاء الأشياخ أنّه قد اجتمع بالنبي الأعظم، صلوات الله، وسلامه، عليه، أو اجتمع بمن اجتمع به، ثم بلّغه عنه، أو سمع منه، إعتراضاً على أستاذنا، أو على دعوتنا، فإن لم تجدوا، فاعلموا إذن، ولا أذيع عليكم سراً، أنّ النبي واقف معنا يذود عنّا، ويدفع عن دعوتنا جوائح الشر، وعوادي الفتن!! وبعد فهل أصبتم شيئاً من الفهم يا من طاب لكم أن تسمّوا أنفسكم "علماء السودان"؟ لا نخالكم!! ولكن لابد أن تفهموا!! إذ لكم يوماً في حساب العليم..