رأينا في القضـاء الشرعي رأى مبدئي
إن رأينا في القضاء الشرعي رأى مبدئي لم ننطلق فيه من رد فعل، ولم نكن حديثي عهد به، فعندما اصدر قاضي القضاة الشيخ ((حسن مأمون)) في 23 فبراير 1944م نشرته التي تمنع الخطب السياسية بالمساجد، بقولها: ((ومن الأمور المسلّم بها أنّه لا شأن لهذه الخطب بالحالة السياسية فلا يجوز أن تتعرّض لها بايّة حال من الأحوال)) ثم تبعه على هذا النهج الشيخ ((أحمد الطاهر)) نائب قاضي القضاة الذي أصدر نشرة أخري في 16/6/1946 تقول ((أتصل بعلمنا أن بعض الخطباء والواعظين في المساجد خلطوا في خطبهم ووعظهم بين الدين والسياسة وهذا لا يصح في المساجد التي أنشئت لعبادة اللّه تعالى))..
فعلي إثر ذلك أصدر الجمهوريون في مارس 46 وتحت عنوان ((مفتينا ومفتيهم)) منشوراُ يقول: ((قيل إن الخطابة حُرّمت في الجوامع إلا لأغراض دينية فنرجو أن تسألوا المفتي ماهي الأغراض الدينية التي يراها؟)) والذي يمضي فيقول: ((فما بال مفتينا يُحرّم علينا ما أمرّ اللّه به أن يفعل؟ إن الدين لا يأمر بالتخاذل والرضى بالذل والهوان)).. وكتب الأستاذ محمود محمد طه في جريدة الجمهورية بتاريخ 12/6/54 ما يلي: ((إني لشديد الثقة بأن هذا الشعب لن يتحرّر مهما بلغت محاولاته إلا عن طريق الإسلام.. وأبادر فأطمئن الشباب المثقّف أني لا أعني الإسلام الذي إحترفه المجلببون بجبب شرف الإنجليز، إنما أعني الإسلام الذي يقوم على روح القرآن، ويستنبطه الذين يعلمونه، وقد وظّفت نفسي للدعوة إليه، ولن يهدأ لي بال حتى اري الإنسانية قاطبة وقد قام ما بينها وبين ربها على الصلاة، وما بينها، فيما بينها، على الصلة، وعلى اللّه قصد السبيل))..
كان هذا موقف الجمهوريين الثابت من القضاة الشرعيين، وفي 1/11/1965، أخرج الجمهوريون منشوراً بجريدة السودان الجديد يصف بيان الهيئة القضائية الشرعية العليا بالرداءة والجهل حينما أصدرت بياناً قفلت فيه باب التوبة!! أيام حادث معهد المعلمين العالي الذي تداعي إلى حل الحزب الشيوعي.. وقد جاء في ذلك المنشور من قول الأستاذ محمود محمد طه: ((إن رجلاً يقفل باب التوبة باسم الدين لايحق له أن يتحدّث عن الدين، وأن جهل رجال الدين بالدين هو الذي جعل شبان هذا الجيل شيوعيين، فإن اردتم أن تعرفوا من المسئول عن نشر الإنحراف عن الدين في هذا البلد فإنما هم رجال الدين والطائفية.. أيها القضاة الشرعيون إنكم ببيانكم الردئ، الممعن في الرداءة، والجهل، تحرّضون على الفتنة، وقتل الأبرياء، ولقد عهدناكم دائماً تسيرون خلف السلطة مما أفقد الشبان احترامكم، وساقهم، خطأ، وجهلاً، إلى عدم احترام الدين..))