المادة 105:
إن المادة 105 من قانون العقوبات ذات تاريخ اسود، وقاتم، يرتبط في ذاكرة شعبنا بالإرهاب البوليسي، والكبت الأحمق، الذي شهده شعبنا أيّام الإستعمار..
إن بعث مكتب النائب العام اليوم للمادة 105، برغم بقائها في القانون، يستفز مشاعر الوطنيين في كل مكان، ويشكك في موقف النائب العام من القضيّة، موضوع هذا الكتاب.. ثم اننا نحن نعلم ان المادة 105 قد عدّلت في عام1974 فشملت في نصها، ضمن ماشملت، عبارة ((أو ضد أي من مؤسساتها الدستورية)) والتي نحن في نظر ديوان النائب العام واقعين تحت طائلتها، مما حدا به إلى اقتراحها لمحاكمتنا.. ونحن هنا نسأل ديوان النائب العام إن كانت للقانون آثار رجعية تبلغ حد محاكمتنا على اقوالنا التي وقعت منّا ضد محكمة الردة في سنة 1968، ومن قبل اجراء تعديل المادة في سنة 1974 لتشمل مؤسسات الدولة الدستورية.. فإن صحّ أن هذا لا يكون، فلماذا إذن اُقترحت من ديوانه، والذي هو وجه الدولة القانوني؟؟ ثم الا يحز في ضمير النائب العام أن يقدّم رجلاً كالأستاذ محمود محمد طه للمحاكمة تحت المادة 105، وهو الذي أفني وقته في محاربة وجودها القانوني ايام الاستعمار ودفع من فكره وصحته وعرقه الكثير في سبيل القضاء عليها وعلى آثارها؟؟
إن الأستاذ محمود محمد طه وإخوانه يمثلون ((الوجيع)) لهذه الأمّة يوم لايكون لها وجيع ولا نصير، وأنهّم، وكما هو معروف، أحرص الناس على أمن هذه البلاد، وألصقهم بآمالها وأمانيها، وازهدهم في حطامها، فلماذا يقف منهم ديوان النائب العام هذا الموقف الذي لا يُحسد عليه؟
أن قضية الجمهوريين مع مؤسسات الفكر السلفي قضية صراع فكري لا يحسم بالقانون، ولا بالتدخل السياسي، وإنما يحسم بتوفير الجو الصحي الذي يتيح للجميع الفرص المتساوية لحرية الفكر، وحريّة التعبير..
المادة 106:
هذه هي المادة الثانية التي إقترحها مكتب النائب العام لمحاكمتنا في قضية بورتسودان، وبعد أن قطعت القضية شوطها تحت المادة 437 عقوبات..
تنص المادة 106 وكما جاء في المقدّمة على الآتي: ـ ((من عمل على إثارة الكراهية، أو الاحتقار ضد أيّة طائفة من الناس في السودان بكيفية تعرّض الأمن العام للخطر، يعاقب بالسجن مدّة لا تتجاوز سنتين أو بالغرامة، أو بالعقوبتين معاً)).. هذه المادة تؤكد إتهامنا لديوان النائب العام، وكأنها قد فُصلّت لمحاكمتنا وفي سبيل ((طائفة)) القضاة الشرعيين.. ولو كان القصد مجرّداً عن الغرض لسعي ديوان النائب العام بهذه المادة لحمايتنا والدفاع عن حقّنا، إذ هو يعلم، وكما يعلم كثيرون من أفراد الشعب السوداني كيف أن مؤسسات الدولة، كالشئون الدينية، وكالقضاء الشرعي، تعمل عملاً واضحاً في استقلال الأجهزة الرسمية لمعاداتنا، ولإثارة الكراهية والاحتقار ضدنا، مما عرض، ويعرّض، الأمن العام للخطر.. ولكن يبدو أن النائب العام يقتصر حدود وظيفته على حماية المؤسسات الحكومية ولا يأبه لما يصيب الأفراد، والجماعات، من ضرر، ومن تغّول على حرياتهم، باسم القانون، وباسم المصلحة العامة.