ديوان النائب العام ومواقفه المتناقضة
لقد سبق أن طلب ديوان النائب العام أوراق هذه القضية من محكمة بورتسودان قبل ما يزيد عن العام، ثم أعادها موافقا على تقديمها تحت المادة 437 عقوبات.. فما الذي جدّ الآن في ديوان النائب العام، مما أضطره إلى تغيير رأيه في القضية لدرجة اقتراح مواد جديدة كان يمكن أن يقترحها منذ البداية؟ ثم أليس من حقنا، على الأقل، أن نتهم ديوان النائب العام بأنه انما فعل ما فعل من اقتراح المادتين الجديدتين 105 و106 عقوبات كحيلة قانونية لانقاذ ما يمكن انقاذه من سمعة القضاء الشرعي؟؟ لاسيما إذا علمنا أن المادتين المقترحتين لا تمكنان المتهمين من فرص الدفاع عن أنفسهم كما كان الأمر مع المادة 437، بل أكثر من ذلك، تضيقان فرص الدفاع الى الحد الذي يجعل الادانة بهما أمرا مقررا ومفروغا منه.. وكأننا بالنائب العام قد سخّر خبرته القانونية في مجال التضييق على الحريات العامة، ومطاردة الأحرار، وعلى نحو يشبه ما كان عليه الحال أيام الاستعمار، حيث رفعت المادة 105 كسيف مسلط على الرقاب..
وعليه فنحن، بما نحن عليه من حذر، نتهم ديوان ديوان النائب العام، بالسقوط فريسة لمحاولات التدخل السياسي في قضية بورتسودان، وتغيير وجهها القانوني لتصبح قضية سياسية، تفضي الى محاكمة الجمهوريين بما يتداعى إلى تحريم أفكارهم، ومصادرة كتبهم، تماما كما يطالب بذلك السلفيون، في داخل البلاد، وفى خارجها.. والا فلماذا اختار النائب العام المادتين 105 و106 اللتين تتطلبان الاذن المسبق من رئيس الجمهورية؟؟! ونحن نعلم أن قواعد الاجراءآت القضائية تتطلب هذا الاذن!! ولكن أليس في ذلك توسيع لدائرة القضية يمكن أن يوهم الشعب بالتدخل السياسي في أمر القضاء؟؟ لا سيما إذا جعلنا في اعتبارنا شبهات، وملابسات التحرك السلفي المشهود، والمعلوم لدي مكتب النائب العام، والذي لازم أطوار هذه القضية منذ البداية؟؟
نحن نعلم أن عددا من قادة السلفيين يحتلون مراكز حساسة في الدولة، وهم، بسبب من عدائهم لدعوتنا الاسلامية الجديدة، يستغلون مناصبهم الرسمية، كما يستغلون اجهزة مؤسساتهم في الكيد لنا، والنيل منّا، لا لشيء الا لعجزهم عن مواجهتنا في ميادين الفكر، وميادين الحوار.. ولقد استعملنا تحريك القانون في مواجهة أذيالهم بنجاح.. وبما أكسب القانون مكانة سامية في نفوس الكثيرين.. ولكن ما بال النائب العام يريد أن يمحو حسنات القانون بهذا التصرف المريب؟؟ ومما يقوي اتهامنا لديوان النائب العام اننا قد تعرضنا على مرأى منه ومسمع، الى التهديد بقتلنا، والى التحريض علينا، والى استعمال العنف معنا، مرات ومرات، حصل ذلك بكوستي، وحينما حرّض المدعو سعد الدين سالمين جماهير المصلين بمساجد المدينة المختلفة على قتلنا، وكما قد حرّك مالك أمين نابري، مساعد مدير البوليس، أجهزة الأمن لضربنا بنادي الخريجين بمدني وفي أثناء تقديم الأستاذ محمود محمد طه لمحاضرة شهدها آلاف الرجال، والنساء، والشبّان، ومصدّقة من السلطات المحليّة ذات الإختصاص، فأثار بفعلته المنكرة الرعب في المدينة على أوسع نطاق.. حصل كل ذلك، ومنذ أكثر من عام، ولم يحرّك ديوان النائب العام ساكناً في الدفاع عن حرمة القانون التي انتهكت في وضح النهار.. هذا في الوقت الذي نشط فيه الديوان لتمثيل الإتهام في القضية التي أقيمت ضدنا، بسبب توزيعنا لمنشور بصّرنا فيه الشعب بعيوب، ومخازي، الشئون الدينية، وكما يفعل اليوم لتمثيل الإتهام في قضية بورتسودان رغم مايحتوشها من ملابسات الضغوط السياسية، والتحركات السلفية..