مهزلة محكمة الردّة
قد ظلّ الجمهوريون على هذا الموقف الثابت والمحدد من القضاء الشرعي، والقضاة الشرعيين، حتى جاءت مهزلة محكمة الردّة، كمؤامرة سياسية، وكرد فعل مباشر لمواجهتنا المتصلة في كشف، وتعرية، فساد الأحزاب الطائفية، وأذنابها من السلفيين الذين ارادوا بها إلى تصفية وجودنا، حتى يصفو لهم الوقت، فيؤمّنوا مركزهم الديني، ويدعموا نفوذهم السياسي، بما تتيحه لهم إمكانياتهم الواسعة.. ولكن شاء اللّه غير ذلك، فذهبوا هم من حيث أتوا، وبقينا نحن، وعلى الرغم منهم، نبشر بعودة الإسلام، ونمهّد الطريق إليه، ونحذّر من أي تفريط، أو خلل، في موقفنا، يمكن للطائفية أن تتسلل منه مرّة أخرى..
إن محكمة الردة قد شكّلت سابقة خطيرة في تاريخ هذا البلد السياسي، إذ استعملت كأسوأ وسيلة في محاربة الخصوم السياسيين.. هذا بالإضافة إلى انها كانت عملاَ إجرامياً في تزييف الدستور، وفي الاعتداء على مكتسبات الشعب في حريٍة العقيدة، وفي حريّة التعبير، وما يتبعهما من حريّة التنظيم.. ثم هي لم تكن، حتى في هذه الحدود، محكمة بالمعنى الذي تفهم به المحاكم، وإنما كانت مسخاً، وتشويهاً، لمسئولية المحاكم في متابعة الإجراءات واستخلاص الأحكام.. إن محكمة الردة قد نهضت كأكبر دليل على فساد القضاء الشرعي وبعده عن الدين الذي يتسمى به..
إن إزالة وصمة محكمة الردة من وجه القانون السوداني واجب محتم على كل مثقف، وعلى كل قانوني يحترم سيادة القانون في هذا البلد.. هذا هو وجه الحق الذي نحن عليه، فما رأى النائب العام في هذا الذي نقول؟؟ ثم بماذا يبرر موقفه من تأييد محكمة الردة بما إقترح من مواد جديدة لتأمين موقف القضاة الشرعيين، وإدانة الأخوان الجمهوريين، الذين عملوا، وعلى طول المدى، في دعوة الشعب، وتربيته على احترام سيادة القانون؟؟ إننا نعجب، أشد العجب، من قانوني يضع نفسه هذا الموضع!! أكثر من هذا!! يحاول أن يضع السلطة كلها هذا الموضع!!
وبهذه المناسبة نذكّر ديوان النائب العام، وعلى سبيل المثال فقط، بموقف السيّد محمد إيراهيم خليل من إدانة محكمة الردة، وفي أيام الحكم الطائفي الذي افتعلها، وهو الرجل القانوني الشهير الذي تبوأ عدّة مناصب قانونية، منها عمادة كليّة الحقوق، ومنها منصب نائب النائب العام، كما كان وزيراً سابقاً للعدل.. فما رأى النائب العام؟؟ ثمّ ما رأيه في موقفهم الحالي، وبعد أن تغيّرت ظروف الحكم الطائفي بين الأمس واليوم؟؟
إن موقف ديوان النائب العام من اقتراح المادتين 105 و106 لمحاكمة الجمهوريين لا يحمل سوي معني واحد من معنيين أولهما أن ديوان النائب العام يعتبر محكمة الردة محكمة دستورية، ومن ثمّ يطالب اليوم بالحماية للقضاة الشرعيين مما لحقهم من مواجهة الجمهوريين الحاسمة..
وثانيهما أن يكون مكتب النائب العام قد سقط تحت تأثير التشويه المنظّم، والضغوط المتلاحقة من السلفيين، ومن أتباعهم، في داخل البلاد، وفي خارجها..