مقابلة الإذاعة السودانية مع الأستاذ محمود محمّد طه
في برنامج «لقاء الخميس» - حوار الأستاذ الفاتح علي مختار - حلقة الخميس ١٠/٤/١٩٧٥
الأستاذ الفاتح: بسم الله الرحمن الرحيم
مستمعي الكرام، السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، وأهلاً ومرحباً بكم، إلى هذه الحلقة من البرنامج..
يسرّنا أن نستضيف الليلة المفكّر الإسلامي الكبير، الأستاذ محمود محمّد طه، الذي تعرّف به الكثيرون منكم من خلال كتبه، ورسائله، ومقالاته، ومحاضراته. ولا شك أنّكم متشوّقون لسماعه من الراديو.. فكرة الأستاذ الكبير محمود محمّد طه، في كلمتين: هي إحياء سنّة النبي صلّى الله عليه وسلّم، وبعث آيات الأصول المكّية، التي أرجئت، واعتبارها محكمة، بالنسبة لهذا الزمن، واعتبار آيات الفروع المدنية منسوخة.. ووسيلة الأستاذ محمود للحصول على المعرفة والحرّية الفردية، هي تقليد الرسول صلّى الله عليه وسلّم. فهو الوسيلة الواسلة لله سبحانه وتعالى..
السؤال الأوّل
الأستاذ الفاتح: الأستاذ محمود.. أرحّب بسيادتكم أتم الترحيب وأعلم أنّ سيادتكم ترى أنّ الشر ليس أصلاً في الوجود، كالخير، وأنّه دخل الوجود لحكمة، فهلا بيّنت لنا هذه النقطة الهامّة بياناً شافياً؟ وشكراً.
الأستاذ محمود: بسم الله الرحمن الرحيم
في مستهل هذا الحديث، في الإجابة على سؤال الأخ الأستاذ الفاتح، لا بد من الإشارة إلى شديد سروري بأن يكون هذا السؤال هو فاتحة الحوار الذي سيقدّمه الأخ الفاتح لمستمعي ركنه، الذي أرجو له كل التوفيق..
الأستاذ الفاتح: شكراً يا أستاذ..
الأستاذ محمود: وأهمّية السؤال بتنشأ من حاجة الناس في الوقت الحاضر، إلى العودة إلى الله.. وكما ذكر الأستاذ الفاتح، نحن دعاة العودة إلى الله.. ومنهاجنا إحياء السنّة باتّباع ذكي – بتقليد فيهو تفكير – حتّى إنّنا نتحدّث عن الصلاة الذكية.. الوقت الحاضر هو الوقت الذي يجب أن ينبعث فيهو الدين على مستوى إقناع العقول البشرية المعاصرة.. ومن هذا المنطلق لا بد أن يكون هناك تفكير سديد في أصول الأفكار، في أصول الدين، في أصول القرآن.. وليس هناك من سبيل إلى التفكير السديد إلا برياضة العقول بأدب الشريعة، وأدب الحقيقة، التي نهض على توكيدها والتوسيل ليها القرآن..
مسالة الخير والشر، وأنّو الخير أصل، والشر فرع، دي من آصل أصول الدين.. وتنبني عليها الكلمة «لا إله إلا الله» التي قال عنها النبي الكريم ((خير ما جئت به أنا والنبيون من قبلي ‹لا إله إلا الله›)). وفي سبيل رياضة العقول، العبادة تتجه إلى أن تنشئ علاقة بين العابد وبين الله.. هذه العلاقة تتخذ في بداياتها صورة الإيمان بما جاء به النبي الكريم، ثم العمل به، في ذكاء، وفي بصيرة مفتوحة، نعرف فيها ما هو وسيلة، وما هو غاية، وتبتغى من الوسائل أن تحقق الغايات، وإلا فإنّها باطلة من الوهلة الأولى.. المرحلة الأوّلانية الإيمان بما جاء النبي، والعمل به باجتهاد وبذكاء.. ثم يزيد هذا الإيمان بما جاء به النبي فيصبح إيماناً بالله، ثم يزيد فيصبح إيقاناً بالله.. وفي هذه المراحل إنشاء العلاقة بيننا وبين الله يتّجه ليحقق الرضا بالله ربّاً.. نحن نعبد لنكون عبيداً.. والعبيد هم الراضون بالله مدبّراً لأمورهم الصغيرة والكبيرة.. ثم يزيد الأمر في علاقة الرضا بيهو بمعرفة كماله، ومعرفة رحمته، ومعرفة حكمته، إلى أن يصبح الرضا فرح بالله.. العابدين المجوّدين يفرحون بالله مدبّراً لأمورهم.. ولا يمكن أن يقع الفرح بالله للعابد إلا إذا اطّلع على حقائق الأمور المركوزة وراء التعدّد إلا إذا عرف الوحدة – وحدة الله، وتوحيد الله، فيما تدعو ليهو «لا إله إلا الله»، وهذا يقتضي أن نعرفه على إنّو خير مطلق، وليس الشر إليه من سبيل إطلاقاً.. وإنّما الشر في مرحلة سيرنا نحن، في مرحلة نظرنا نحن للأمور، لأنّ عقولنا قواصر.. فنحن نُراض في مرحلة الثنائية لنخلص إلى الوحدة، وربّنا يقول: ((ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلّكم تذكّرون)).. فلكأنّ الحكمة في خلق الزوجين هو أن نفهم نحن، لأنّنا بالعقول لا نفهم إلا بالثنائية.. الشيء يُعرف بضدّه.. ومن هنا جاء الخير والشر.. فالشر مظهر للوجود ليروّض عقولنا لتسير إلى الوحدة المطلقة.. وعند الوحدة المطلقة، الله خير مطلق.. فليس إلى الشر سبيل هناك.. وبهذا الأسلوب نحن نستطيع أن ننشئ العلاقة مع الله.. وهي علاقة ثقة – علاقة استسلام – علاقة رضا، ثم علاقة محبّة كبير، تعتنق الأحياء والأشياء..
الأستاذ الفاتح: شكراً يا أستاذ..