بسم الله الرحمن الرحيم
((حتّى إذا جاءوا وقال: أكذبتم بآياتي ولم تحيطوا بها علماً أم ماذا كنتم تعملون * ووقع القول عليهم بما ظلموا فهم لا ينطقون))
صدق الله العظيم
المقدمة
هذه المقابلة الإذاعية مع الأستاذ محمود محمّد طه، أذيعت مساء الخميس ١٠/٤/١٩٧٥ في برنامج «لقاء الخميس» الذي يقدّمه الأستاذ الفاتح علي مختار، ونحن إذ ننشرها منقولة من الشريط، كما أذيعت إنّما نواجه بها أدعياء الدين من الفقهاء، والوعّاظ، والقضاة الشرعيين، الذين درجوا على تشويه آراءنا تشويهاً مشيناً، وأيضاً ليستبين أفراد شعبنا قيمة وموضوعية ما ندعو إليه، الذي ما هو إلا الإسلام، في أصوله الدقيقة، التي تعي الأفهام الضيّقة عن ادراكها، وتعجز العقول المتحجّرة بالغرض عن تلمّس معانيها الرفيعة ..
والمقابلة تعالج أسئلة ذكية في أصول الدين، وأصول الفكر، عن سرمدية العقاب في النار، وعن الأصل في الوجود الخير أم الشر، وعن التخلّص من الخوف، وعن الرسالة الثانية من الإسلام، وهي أسئلة جريئة يعجز الفكر السلفي عن اجابتها، ومعالجة أصولها فيلجأ للإرهاب الفكري، والتهريج، والوعظ الفارغ، وعدم التحديد.
هذا في وقت يبحث فيه الإنسان المعاصر عن الحق، ويبتغي التحديد والوضوح، ويرفض الغموض الديني بالإذعان بلا فكر. إنّ التحدّي الذي يواجه الدين اليوم، هو هذا العقل المعاصر، الذي يريد إجابة واضحة على كل تساؤل، ويريد تفسيراً علمياً، متناسقاً عن حقائق الحياة وظواهرها. ثم هو يطلب منهاجاً علمياً، وعملياً .. وهذا التحدّي لا تنهض بمواجهته إلا الدعوة الإسلامية الجديدة، التي تقف وحدها اليوم في ميدان الدعوة للإسلام، دعوة يهديها «العلم» .. العلم اللدنّي، الذي إنَما هو العلم بالله .. هو العلم بالنفس الإنسانية .. الذي سيتوّج منجزات العلم المادّي في آيات الآفاق ويصحّح مساره .. وهو علم وعمل بمقتضى العلم، منهاجه
((اتّقوا الله ويعلّمكم الله
)) ونموذج تسليكه حياة النبي عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.
إنّ هذه المقابلة الإذاعية على إيجازها وثيقة يعقل بها القارئ الفرق بين الأسلوب السلفي المتخلّف الذي يجنح للوعظ والتهريج، ويبعد عن العلمية، والذي تزحم به الشئون الدينية، أجهزة الإعلام من إذاعة، وتلفزيون، وبين أسلوب الدعوة الإسلامية الجديدة، الذي يسعى لإقناع العقول، بجدوى ممارسة الإسلام، مجيباً على أسئلتها، ومجلياً لشكوكها في موضوعية ودقّة، وفي مؤلّفات الأستاذ محمود محمّد طه المختلفة سعة ما أُجمل وأُختصر في هذه المقابلة.
إنّ أسلوب التعصّب المتطرّف، والتهريج، والوعظ الفارغ من المعاني، ليس له حظ من الدين، إنّما يتبنّاه رجال تسمّوا بالإسلام والتحفوا قداسته، يرفضون الحوار، ويستنفرون السلطة على الخصوم في الرأي ثم لا يتورّعون من التشويه، والكذب، في مسائل هي أصول ديننا الحنيف.
هؤلاء هم أكثر الناس حاجة لأن يتعلّموا الإسلام من جديد!!