الاشتراكية والديمقراطية ليستا في الشريعة الآن
الإشتراكية والديمقراطية ما هما في شريعتنا، ولكنهما في ديننا.. نحن نحب أن النقطة دي تكون واضحة عند أبنائنا لأنهم هم حملة مشعل الدين للأمام.. لا بد لها أن تكون واضحة عند كل واحد مننا، لكن الجيل الحاضر، الجيل المرجو، لا بد أن تكون النقطة دي واضحة عنده بتوكيد أكتر.. وهذه النطقة هي أن الديمقراطية، والاشتراكية ليستا في شريعتنا، وإنما هما في ديننا.. ولا بد ليكم من أن تميزوا بين الدين والشريعة.. الشريعة هي طرف الدين المتنزل، والواصل لأرض الناس ليدرجهم، وليرفعهم.. والدين هو الحبل المشدود بين الله، في إطلاقة، وبين عبيده، في أرضه.. الحبل المتنزل من الإطلاق إلى الأرض، دا الدين، دا حبل الله.. وطرفه الذي لمس الأرض هو العروة الوثقى.. العروة الوثقى، يعني المقبض المتين الموثوق بيه.. يعني العقدة من ذلك الحبل التي لمست أرض الناس، ليتعلقوا فيها، وليمسكوا بيها ليترقوا.. هذه هي الشريعة.. فالشريعة مدخل على الدين، وليست هي الدين كله.. الشريعة بعض الدين.. حتى أن السنة أكبر من الشريعة.. دا بيكون واضح، لأن ما عاش عليه النبي من شريعة فردية، وهي سنته، أكبر من الشريعة مما يوضح أن الشريعة ما هي الدين، وإنما هي طرف الدين الذي استطاعه المجتمع البشري في القرن السابع.. هذا الطرف هو البنطوي، وبرتفع، وبطَّوَّر، كلما قرب الناس من كمالاتهم، متأسين بالنبي: „قل: إن كنتم تحبون الله فاتبعوني، يحببكم الله“.. فالمجتمع الإسلامي، والمجتمع البشري كله، في الأربع عشر قرن السلفت، منذ البعث النبوي، هذه الأربعة عشر قرن قطعنا فيها مسافة طويلة جدا.. نحن قد كان تطورنا في مضمار الدين، لكن الشريعة ضاقت عنه.. ومعنى „الدعوة الإسلامية الجديدة“ بعث الشريعة في مستوى السنة، تطوير الشريعة إلى مستوى السنة.. والبشارة وردت هكذا „بدأ الإسلام غريبا، وسيعود غريبا، كما بدأ، فطوبى للغرباء!! قالوا من الغرباء، يا رسول الله؟؟ قال الذين يحيون سنتي بعد اندثارها..“.. وسنته غير شريعته.. شريعته لأمته كرسول.. سنته شريعته لنفسه كنبي. وهو مكلف بما لم تكلف به الأمة، وذلك لمكان معرفته بالله.. دا معنى „الدعوة الإسلامية الجديدة“ الإسلام، بالمستوى دا، هو ذخيرة البشرية، وهو ما تحتاجه البشرية منذ اليوم.. في مستوى الإقتصاد للبشرية فيه الاشتراكية.. في مستوى السياسة ليها فيه الديمقراطية.. عندما تجيء الاشتراكية، والديمقراطية، تنشأ، كوليد بين الاثنتين، العدالة الاجتماعية، وهي تعني تقارب الناس في الطبقات، في أول الأمر، وتعني محو الطبقات في آخر الأمر.. نحن لما تكون دخولنا قريب من بعض، وفرصنا، في الحياة، وفي السياسة، وفي السلطة، قريب من بعض، نحن بنصبح قريبين من بعض، وبنتزاوج من بعض، وبنتعاطف مع بعض، وبنفهم بعض، وبنحب بعض.. دا هو تشريع الإسلام للجماعة منذ اليوم.. يجيء بعد ذلك تشريعه للفرد، ودا الأساس.. نحن عندنا في الإسلام انت لا يمكن أن تبلغ الحرية لمجرد أن تعيش في مجتمع راقي مثل الذي ذكرنا، زي ما ظن ماركس.. نحن اخترعنا المجتمع ليكون وسيلتنا، بمعنى أن يؤمننا من الخوف في المدى الممكن.. يؤمننا من الخوف في المدى السياسي، ويؤمننا من الخوف في المدى الاقتصادي.. لكن في عندنا رواسب موروثة، ورواسب مكتسبة، فيما سميناه، قبل قليل في هذه المحاضرة، بالعقل الواعي، والعقل الباطن.. الإنسان، عندما اضطر ليكبت رغائبه، وشهواته، إطاعة للقوانين، وإطاعة لأمر الآلهة، في أول الأمر، والإله الواحد، في آخر الأمر، كبت أشياء كثيرة في صدره، وانقسم بيها في الداخل.. أصبح مقسوم، وأصبح بعضه ضد بعض، والحرب الفي الخارج هي، في الحقيقة، صورة من الحرب الفي الداخل.. والحرب الفي الخارج، حتى إذا أمِنَّاها بإقامة المجتمع الممكن يوسلنا أحسن توسيل لحريتنا، يصبح لا بد من المجهود الفردي.. لا بد أن نناقش الثرثرة الداخلية، والقلق الداخلي، والاعواجاجات الداخلية، لنستطيع بالمجهود الفردي وبالمناقشة الداخلية أن نستقيم.. دا ما عنده غير التوحيد.. ووسيلة التوحيد في العبادة.. وأرقى العبادات، البتوصل إلى حل المشكلة الداخلية إنما هي الصلاة.. لأن الصلاة كأنما هي جلسة نفسية، بتلاقي فيها الله، تفضي ليهو بمكنونات صدرك، تتوكل عليهو، وتعرف أنو هو خير مطلق، وأن عنده لا موجب للخوف.. هناك يبتدئ الخوف ينهزم.. تبتدئ البنية البشرية تتوحد، لأن التوحيد ما فيهو ضدية: „وإن من شئ إلا يسبح بحمد..“.. في التوحيد، وفي حقائق الدين، الله ما عنده عدو، في التشريع، وفي ظاهر الأمر، الله عنده عدو، لكن، في حقيقة الأمر، كل الخلائق طائعة ومنقادة له: „وإن من شئ إلا يسبح بحمده، ولكن لا تفقهون تسبيحهم“.. الفقه دا، البتكون بيه الخلائق كلها ماشة لي الله، نحن عايزين ندخل فيه ونعلمه لنعرف أن الالتواءات القديمة الحصلت إنما هي نتيجة للجهل.. هي نتيجة مباشرة للخوف، والخوف نتيجة للجهل.. كل الرذائل الأخرى إنما هي بنات شرعيات للخوف..
هنا حاجة البشرية المعاصرة إذن للدين بتقع في مستويين، في مستوى تنظيم المجتمع، على اعتبار أنه مجتمع كوكبي، مصيره واحد، مشاكله واحدة، قطعته الساكن فيها واحدة، تاريخه واحد، أبوه، وأمه، واحد، : „يأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة، وخلق منها زوجها، وبث منهما رجالا كثيرا، ونساء“.. كل البشر منبثين بالصورة دي.. لكن الجهالات، والمخاوف، هي اللي خلتنا، كل واحد مننا، قابض في حلق الآخر، ومستعد دائما ليقاتله وباستمرار.. عندما يتأمن الوضع دا، دا ما حل للمشكلة كلها، دا مجرد إعداد المكان ليك أنت لتمارس، بمجهودك الفردي، الممارسة البتنشئ بيها العلاقة بينك وبين الله.. فالعبادة إنما هي محاولة لإنشاء العلاقة معاه هو.. التعامل معاه هو.. بالصورة دي تبقى حاجة المجتمع البشري، في القرن العشرين لإنشاء العلاقة مع الله، في الحقيقة، حاجة لا بد منها، حاجة حياة أو موت.. والناس ملجئين إليها، وهم لا بد لهم أن يجوها، ودا هو معنى الآية: „ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه، وهو، في الآخرة، من الخاسرين“.. قدر ما يحاول الإنسان حلا لمشكلته بغير الإسلام يكون خاسر، ومهزوم، ويصل للطريق المقفول، ويجيء راجع لله، فما من الله بد: „يأيها الإنسان!! إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه..“.. لكننا إذا كنا أذكياء نستطيع أن نمارس قبل أن تبدهنا التجربة بالفشل.. زي ما قلنا عن حرب فيتنام، لو أن الناس كانوا أذكى مما كانوا بعشر سنين لكان من الممكن أن يجلسوا حول تربيزة المفاوضات بدون ما يخوضوا حرب العشرة سنين هذه، لكن اقتضت حكمة الحكيم أن التجربة تكون وليدة الممارسة.. الحكمة تكون وليدة التجربة.. كلما تقدم الذكاء البشري ليخطط، وليوجه، كلما أغنى الناس عن كثير من التكلفة، وكثير من التضحية، وكثير من الضياع.. من أجل دا نحن المسلمين مطلوب مننا أن نتقدم بالحل للمشكلة، حتى يكون المجتمع البشري مجنب الضرورة للخوض في مسائل تعقب الخسران، وما يجيء للحل إلا بعد ضحايا كثيرة..
„الدعوة الإسلامية الجديدة“ قائمة على أساس تقديم الإسلام كحل لمشكلة تنظيم الجماعة في تشريعه، وكحل لمشكلة الفرد في منهاجه.. والإسلام بوصفه أن عنده شريعة للفرد، وشريعة للجماعة، في آن واحد، وأنه بيضع الجماعة في مقام الوسيلة، والفرد في مقام الغاية، به، بالصورة دي، يتمكن المجتمع من حل مشكلته بدون ما يخوض في كثير من المتاعب وبدون ما يبذل الكثير من عرقه، ودمه وجهده.. دي صورة لعله مما يحسن الوقوف عندها لنعطي فرصة لأبنائنا، واخواننا، ولبناتنا، وللزائرين، وللمستمعين، أن يتجاوبوا مع الحديث الذي قيل، ولعل النقاش يبين بعض النواحي التي لم يتسع لها الوقت في هذه المقدمة الموجزة.. شكرا..