الدعوة الإسلامية الجديدة
نحن الآن، قد قدم إبننا المبارك المحاضرة باسم: „الدعوة الإسلامية الجديدة“.. المعنى دا نحن بننطلق منه لتبيين الجدة.. الجدة في الدعوة هي الانتقال من آيات الفروع، الآيات الكانت بتناسب القرن السابع، عهد الوصاية، عهد القصور، إلى آيات الأصول التي كانت اكبر من مجتمع القرن السابع.. لأن اليوم البشرية تتوق – بشرية القرن العشرين، زي ما قلنا، أصبحت تتوق لأن تنظم علائقها كلها على أساس الوحدة، لأن الكوكب، بفضل الله، ثم بفضل المواصلات الحديثه، السريعة، قد أصبح وحدة جغرافية، المكان أُلغي، أو كاد.. وباستمرار الحركة في سرعة المواصلات ماشة لتلغي الزمان، وتلغي المكان.. والناس أصبحوا اليوم جيران.. نحن، مثلا، كان في زمن، لعله حتى في أوائل القرن العشرين، الناس ما كانوا بيهتموا بما يبعد عن حدودهم من أحداث، ولا يعرفوا عنها شئ.. نحن في الوقت الحاضر نتعاطف مع فيتنام، والناس عندنا فرحوا فعلا لما وصل المتخاصمين المتحاربين، في فيتنام إلى معادلة أمكن بيها أن يكون في سلام، وإيقاف للقتال.. الناس فرحوا، الأمر دا ما كان زمان.. ولا كان في مقدرة، وتخيل، وإنسانية، وتعاطف مع الناس البعيدين.. لعل تعاطفك يكون محدود بأهلك، وإن إتعداهم يمكن يتعداهم لقبيلتك.. الصورة دي هي البيها البشرية كلها أصبحت تتوق إلى نظام واحد، ليهيمن على هذا الكوكب الواحد، الموحد.. بشرية واحدة، وموحدة، بتسكن في مكان واحد، وموحد، عايزة أخلاقيات، وقوانين تعيش بيها في وحدة، زي ما هي حالتهم الجغرافية، وحالتهم البشرية.. أصبحت قوانيننا، نحن المسلمين، في مستوى ما حل مشكلة القرن السابع، غير كافية، نحن عندنا أن الإسلام صالح لكل زمان ومكان.. الإسلام هو القبلة التي تحتاجها البشرية اليوم كلها.. والموعود: „هو الذي أرسل رسوله بالهدى، ودين الحق، ليظهره على الدين كله.. وكفى بالله شهيدا..“.. هذا الموعود لا يزال أمامنا.. الدين الإسلامي صلاحه لكل زمان ومكان مش معناه أن صورته واحدة.. صورة تشريعه، مش واحدة.. ولا يمكن لإنسان عاقل أن يفتكر أن كمال الشريعة هو أن تظل صورة واحدة.. خذ التشريع المدني، نحن هسع كنا في عهد الإستعمار، وخرجنا من عهد الإستعمار إلى العهد الوطني، وباستمرار في عندنا محاولات، نجحت أو لم تنجح، في أن نغير قوانيننا، ذلك لأنه واضح عندنا أن القوانين وسيلة المجتمع ليعيش، وليست غايته.. واضح أن المجتمع لم يُخلق للقوانين، وإنما خُلقت القوانين للمجتمع.. وباستمرار البشرية بتحتاج لأن تنطلق، وتتطور، والفكرة الباقية هي الفكرة القادرة على أن تواكب طاقات البشرية الحيوية المنطلقة، ومش الفكرة البتظل جامدة على صورة واحدة.. كثير من الناس بيفتكر أنه كمال الإسلام في أنه صورة واحدة.. اليوم دا، في المحاضرة دي، نحب أن ندقق في المعنى.. الإسلام، زي ما قلنا عنه، سابق للرسالات.. الإسلام هو الإرادة الإلهية المحيطة بكل شئ، وسايقة الناس إلى الله، سايقاهم ليرضوا بالله.. بالمعنى دا، الإسلام الناس يتطوروا في فهمه، كلما اتسعت عقولهم كنتيجة لتجاربهم في الحياة، في الصراعات المختلفة في الأرض.. لكن شريعة الإسلام، من لدن آدم، مثلا، لو أخذنا الأمر بالصورة دي، باستمرار تتطور، تتطور كلما اختلف المجتمع، والإسلام واحد.. „خير ما جئت به، أنا والنبيون من قبلي، لا إله إلا الله..“.. كل الرسل أرسلوا بالإسلام، بكلمة التوحيد، لكن تختلف شرائعهم، حسب مستويات، وحاجات، مجتمعهم.. نحن الإسلام نزل لينا على مستويين.. نزل قرآن مكة، ونزل قرآن المدينة.. على مستوى قرآن المدينة قامت الشريعة.. وعلى مستوى قرآن مكة قامت السنة، وهي شريعة النبي الخاصة به.. فكأنه في عندنا شريعتين معاشتين، في القرن السابع.. شريعة عاشها النبي وحده، وهي تقوم على أصول الدين، وهو قد كان بها المسلم الوحيد.. وشريعة عاشت عليها الجماعة، وهي تقوم على فروع الدين، وهي قد كانت بها الأمة المؤمنة.. والآن نحن دعوتنا „الإسلامية الجديدة“، بتقوم على بعث السنة لتكون شريعتنا، لأن المجتمع اليوم قد أصبح يواجه عهد المسئولية، والرجولة - عهد: „فذكر، إنما أنت مذكر * لست عليهم بمسيطر.“ فلنرتفع، إذن، من عهد الوصاية الكانت عليها الأمة في القرن السابع، إلى عهد المسئولية الكان عليها النبي وحده.. بعدين مما يهدينا في الاتجاهات دي السيرة - سيرة النبي، وحياته - القرآن كان سيرته، وحياته.. حياة النبي كانت أعظم محاولة لتجسيد القرآن في الدم، واللحم.. والسيدة عائشة عندما سئلت قالت: „كانت أخلاقه القرآن“.. هنا، في المستوى دا، نحن بنطور شريعتنا، ولكننا لا نطور الإسلام.. نحن نتطور في فهمنا للإسلام كلما ارتقت عقولنا بوسائل العبادة ووسائل العلم، حتى أننا لنصل لنأخذ منه حلا لمشكلتنا.. نأخذ منه حل مشكلتنا وهي مشكلة كوكبية في اليوم الحاضر دا.. مشكلة على نطاق الأرض كلها..
هنا المجتمع كلما تطور كلما أعطى الفرد حرية أكبر.. المجتمع دا أصبح أحسن وسيلة، في الوقت الحاضر، يفضي إلى حرية الفرد.. ونحن قلنا أن المجتمع أكبر، وأعظم، اختراع اخترعه الإنسان - اخترعه ليتوسل بيه إلى حريته.. كان الإنسان، ولم يكن هناك مجتمع، وبعدين بدأ المجتمع، وبدأ الإنسان يُطَوِّر في مجتمعه، حتى إنه يمكن للإنسان أن يلاحظ أن الفرد البشري ما تطور بالسرعة، وبالمدى، الذي تطور به المجتمع البشري.. الفرد البشري كان دائما موجود، والمجتمع بدأ، ثم مشى إلى الكمالات التي ذكرناها من أنه قد أصبح مجتمعا كوكبيا، مجتمع في الأرض كلها، عايز حل لمشاكله كوحدة بشرية، مصيرهم واحد، وأهدافهم، وأغراضهم، واحدة، وعنصرهم واحد، ومصدرهم واحد، ورحلتهم في العودة من الاغتراب واحدة.. البشرية أصبحت تدرك بالصورة دي.. فكأنما المجتمع بلغ كمالات كبيرة جدا، إذا ما قيس بالفرد البشري، لكن أمامه المرحلة البيكون بيها في أحسن صورة تمكن الفرد البشري من أن يمارس، الممارسة التي تجعله يتحرر في داخله من الخوف.. الخوف، مثلا، في عندنا الخوف من الرزق، ودا من أكبر صور الخوف الصحب الإنسان.. الإنسان عاش، ومات، بالجوع كثير.. وعاش على الكرب، وعاش على نصف البطن.. عاش، ومات، بالمجاعات، زمن طويل.. فأكبر شئ دفع الخوف إلى صدورنا، وجعلنا نتحارب، ونتعادى، هو الخوف على الرزق.. ويجيء أيضا الخوف على الحياة، والخوف من الإعتداء.. ولذلك تلقوا أن المجتمعات كانت تحاول دائما أن تؤمن الأفراد بصور القوانين المختلفة، وفي المدى الذي تطيق، حسب حكم الوقت.. لكن مجتمعنا اليوم أصبح يشعر شعور حقيقي أنك أنت يمكن أن تؤمن الفرد إذا ضمنت ليه رزقه، ويمكن أن تؤمن الفرد، بالإضافة إلى ضمان الرزق إذا أمنته من أن يحصل عليه أي اعتداء، إلا إذا هو خرق القانون.. حكم القانون، وتنظيم الإقتصاد.. بالصورة دي من تنظيم المجتمع يمكن الإنسان ما يخاف.. ما يخاف على نفسه لما بكرة يشيخ، أو يمرض.. ما يخاف على أسرته لما بكرة يموت ويترك أطفال اليحصل ليهم شنو.. فجات المعاني الجديدة في تنظيم المجتمعات، جات من الصراع البشري، في المدى الطويل، بين العندهم والما عندهم.. العندهم السلطة، والما عندهم سلطة، العندهم المال، والما عندهم مال.. وعبر الصراع دا وصلنا إلى معاني الديمقراطية، والاشتراكية.. إذا كان المجتمع لا بد ليه أن يكون مسرح صالح، لنمثل عليه أدوارنا المطلوب مننا تمثيلها من أجل أنفسنا، لا بد له أن يؤمننا من الخوف من الرزق، ومن الخوف من الاعتداء.. ودا ما يسمى بالاشتراكية وبالديمقراطية..