إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search

طوِّروَها حَتّى تَصيَر:
جَامِعَة أمْدُرمَان

منع طالب دراسات عليا من حقه في الدراسة لأنه جمهوري:


لقد انتدبت وزارة التربية والتوجيه بمديرية الجزيرة الأستاذ الريح أبو إدريس علي، المعلم بالثانويات العليا، الى الجامعة الإسلامية، ليحضّر دبلوما في التربية، كسائر المعلمين الذين يجيء دورهم لتحضير ذلك الدبلوم، في إطار خطة التدريب التي تتخذها الوزارة.. والريح أبو إدريس من خريجي الجامعة الإسلامية نفسها 1965، وقد عمل منذ تخرّجه في تدريس مادتي اللغة العربية والتربية الإسلامية.. وقد حضر الريح الى الجامعة الإسلامية وجرت له المعاينة كبقية زملائه الذين حضروا وعددهم خمسة عشر، ودفع الرسوم.. وبعد المعاينة طلبته اللجنة مرّة أخرى، ودار بينه وبين المشرف على الدبلوم، والمسجّل، وعميد الكلية، الحوار التالي: -
المشرف: نريد أن تحدّث معك بصراحة!!
الريح: نعم لا مانع..
المشرف: عرفنا أنك جمهوري!!
الريح: نعم. أنا جمهوري..
المشرف: انت تعرف أهداف جامعة أم درمان الإسلامية..
الريح: (لا يجيب).. في هذه الأثناء يدخل عميد الكلية..
المسجل: نحن لا نريد أن تخلق لنا شوشرة، نعني لا تبشّر بأفكارك داخل هذه الجامعة..
الريح: انا جمهوري أحمل الأفكار الجمهورية في نفسي وأدعو لها غيري..
المسجل: انت يمكنك أن تدعو لأفكارك خارج الجامعة!!
الريح: فكري لا يمكن أن ينعزل عنّي داخل الجامعة.
المشرف: نريد منّك أن توّقع لنا على تعهّد!!
الريح: ما هو؟؟
المشرف: يقدّم التعهّد الآتي: (أتعهّد بأن أكون منضبطا في السلوك وملتزما بأهداف جامعة أم درمان الإسلامية)!!
الريح: أنا الحمد لله منضبط في سلوكي، ولكن ما هي أهداف جامعة أم درمان الأسلامية؟؟
العميد: الإسلام السلفي.. يعني ليس هناك رسالة ثانية!!
الريح: هل يمكن أن تكتب هذه العبارة؟؟
العميد: يضيف عبارة (اسلام السلف الصالح)!!
الريح: يرفض التوقيع على هذا التعهّد)..
العميد: يقوم يشرح عبارته (نعني اسلام الصحابة والأئمة والفقهاء!!)
الريح: أنا أكن للصحابة والأئمة كل احترام..
العميد: يعرض الدرجات التي أعطيت للريح حتى يؤكد أنه لن يظلمه..
الريح: أنا ما أردت أن أقوله قلته، واللجنة لها الحق أن تعمل ما تراه.. (انتهى الحوار)..
نحب للقاريء أن يعيد قراءة كلام العميد عندما سأله الريح (ولكن ما هي أهداف جامعة أم درمان الأسلامية؟؟)
أجاب (الإسلام السلفي.. يعني ليس هناك رسالة ثانية)!! ونحن لا نريد أن نطيل في التعليق على هذه العبارة التي جرت من العميد اذ لو أن العميد كان مطّلعا على الفكرة الجمهورية التي يحمل لها كل هذا العداء لعلم أن (الرسالة الثانية) ان هي الاّ سنة النبي التي كان عليها عمله في خاصة نفسه.. وهي مضمّنة في قرآن مكة بصورة لا يخطئها من يتعمّق أمر الدين ولو قليلا.. ان هؤلاء الأشياخ لا يقرأون ومع ذلك يعترضون على ما لم يفهموا..
ثم أننا نحن لا نقول الإسلام السلفي، وانما نقول الشريعة السلفية..
وفرق بين الإسلام والشريعة.. الشريعة ليست هي الإسلام وانما هي القدر من الإسلام الذي تنزّل لأرض الناس، وخاطبهم على قدر عقولهم، وحلّ مشاكلهم في القرن السابع.. وللتفصيل في ذلك نرد القاريء الى كتابنا (الرسالة الثانية من الإسلام)..
ان مثل هذه العقليات لا تستحق أن تكون مسئولة عن تعليم أجيال مستقبل هذا الشعب الكريم..
وقد أعلنت أسماء البمعوثين الذين قبلتهم الجامعة الإسلامية من قبل وزارة التربية والتوجيه، وكان اسم الريح من بين الخمسة عشر الذين حضروا للدبلوم، هو الإسم الوحيد الذي لم يذكر ضمن المقبولين فقابل الريح إدارة الجامعة الإسلامية، وهذه هي صورة المقابلة كما يرويها بنفسه:
(اتصلت بالمسجل أسأله عن أمري، فأحالني على المشرف على الدبلوم، ولم أتمكن من مقابلته في هذا اليوم، وفي صباح الغد قابلت المشرف الذي أخبرني بأنه قد قام بوضع الدرجات لكل مبعوث ورفع للعميد الذي رأى أن يبعدك، ورفع الأمر الى مجلس إدارة الجامعة.. طلبت منه الرد كتابة.. أحالني على العميد، ولم يكن العميد موجودا، وظللت انتظره فترة من الزمن، وعندما لاحظ المسجل انتظاري استدعاني وقال: العميد قد لا يحضر، وقد ابعدت من الدبلوم.. قلت له: هل يمكن أن أعطى الرد كتابة؟ رفض وقال انهم سيخاطبون الجهة التي ارسلتني، وطلب مني أن أنصرف.. قلت له هل يمكن أن أقول إنكم رفضتم إعطائي الرد كتابة قال: نعم.)
الريح أو أدريس علي..
وقد رجع الأخ الريح الى قسم إدارة التدريب بوزارة التربية والتوجيه وعرض عليه خطاب الجامعة الإسلامية الذي يحدد أسماء المقبولين ولم ترد فيه أي إشارة الى اسمه، ولم يرد أنه أبعد، ولا السبب الذي ابعد من أجله!!
ثم أن قسم إدارة التدريب قد سلّم الأخ الريح الخطاب التالي:
(17/ي/13/84
السيد مدير المرحلة الثانوية لتعليم محافظة الجزيرة
تحية طيبة
الموضوع: الأستاذ: الريح أبو إدريس علي
الأستاذ المذكور أعلاه رُشّح من قبل وزارة التربية والتوجيه لنيل دبلوم التربية العام من الجامعة الإسلامية. الاّ أنه لم يتم اختياره لهذه الدراسة.. هذا لمعلومية سيادتكم وشكرا. (توقيع)
بدوي محمد الأمين قنجاري
ع/ مدير إدارة التدريب
صورة للسيد: مدير المرحلة الثانوية بالرئاسة
صورة للسيد: الريح أبو إدريس علي)
انتهى.
هذا ما تمّ من قبل إدارة الجامعة الإسلامية، وهو مزيد من التوكيد لما قلناه في حق هذه الإدارة من استغلال موقعها، والإمكانات العامة في عداوتها الضيقة للجمهوريين بصورة مفارقة للقيم الدينية الأصيلة أو حتى الخلق المدني الرصين.. فالإدارة أرادت أن تمنع مواطنا سودانيا حقه في نيل درجة أكاديمية هو مؤهل لها، لا لأي سبب الاّ لأنها تختلف معه في الأفكار.. ثم هي لم ترد أن تتحمّل مسئولية عملها هذا فلجأت الى صورة الإلتواء التي رأيناها، فرفضت أن تعطي الأخ الريح أي مكتوب يوّضح سبب رفضها له، ثم أنها قي مخاطبتها لوزارة التربية والتوجيه لم تورد أي إشارة لهذا الرفض!! هذه هي إدارة الجامعة الإسلامية وهذا هو مستوى قيمها.. فإدارة الجامعة الإسلامية كان يمكن أن تقبل من الأخ الريح أن ينافق، ويتخلّى عن هويته كجمهوري داخل الجامعة، فهذا هو مستوى التربية التي تربيها لطلابها باسم الدين! وإدارة الجامعة الإسلامية تعلم أن جامعتها تعج بالطلاب الماركسيين، وقد كانت لنا مقابلات ونقاشات طويلة مع هؤلاء الطلاب، وقد لمسنا منهم تعصبّا في رفضهم للغيب ما نرى الاّ أن السبب فيه هو الصورة المتخلّفة، والمشوّهة للإسلام التي عرضتها عليهم هذه الجامعة التي تتسمّى بالإسلام، وهي في الحقيقة أكبر ما ينفّر عنه، وقد وجدنا من بين هؤلاء الطلاب الماركسيين بعض المبعوثين من الدول الأفريقية، جاءوا ليدرسوا الإسلام، ثم يدرّسوه في بلادهم، ولكنهم وجدوا بالجامعة الإسلامية صورة شائهة للإسلام، دفعتهم دفعا لأحضان الماركسية.. وإدارة الجامعة الإسلامية التي تتمسّح بالدين، وتعيش به، لا يهمها أن يكون طلابها ماركسيين، أو وجوديين، طالما أنهم لا يعلنون ذلك بالصورة التي تحرجها.
ثم بعد كل ذلك هل هذه جامعة؟! وهل هي اسلامية؟! ان الأمر المؤكد ان رياح التغيير تهب الآن على هذه المؤسسة المتخلّفة وهي لا بد أن تعصف بتخلّفها عصف الريح العاتية، بأجذاع النخيل الخاوية..