إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search

طوِّروَها حَتّى تَصيَر:
جَامِعَة أمْدُرمَان

من تاريخ الجامعة الإسلامية


التجاني يوسف بشير:


ان العقلية التي تسيّر الجامعة الإسلامية اليوم، لا تختلف عن تلك العقلية التي كانت تسيّر المعهد العلمي القديم.. فلهذه المؤسسة الجامدة، المتغيرة فقط في الأسماء، تاريخ طويل في الضيق بالذكاء الوقّاد، والعبقرية، والحس المرهف، والتفكير الحر المستنير، فمجّرد وجود هذه القيم الإنسانية الرفيعة، يستفز الأشياخ، ويشعرهم بقصورهم.. ففي الثلاثينات ضاق الأشياخ بعبقرية التجاني يوسف بشير الفذّة، وحسّه المرهف فاتجهوا الى تكفيره، وفصله، وهم بفعلتهم هذه لم يستطيعوا أن ينالوا من التجاني، وانما هم فقط سجّلوا للتاريخ عارهم وتخلّفهم، ومضوا في التاريخ نسيا منسيا، وخلّد التاريخ التجاني الذي ملأت شهرته الآفاق، ورددت شعره الأجيال، ولا زالت تفعل، ولا يزال الكثير من أبعاد عبقرية التجاني لم يكتشف، وقد أصبح التجاني مفخرة للسودان، بعبقريته الفذّة، وشعره الملهم، وفكره الرصين.
ومن تاريخ الجامعة الاسلامية الأسود أيضا أنها فصلت في يناير 1960، وعلى عهد محمد المبارك عبد الله، فريقا من الطلبة، مع أنهم قد نالوا الشهادة الأهلية، بدرجة أهلتهم للدراسات العليا التي كانوا بمرحلتها.. واليوم فان الجامعة الإسلامية لا تزال تحاول السير في خطها القديم، فهي قد رفضت في شهر سبتمبر من هذا العام، مبعوثا من وزارة التربية والتوجيه، ليحضّر لدبلوم التربية، وذلك لأنه جمهوري!! ونحن سنورد فيما يقبل من صفحات، ما دار بينه وبين المسئولين في إدارة تلك الجامعة..
والآن نعود لنواصل الحديث عن التجاني يوسف بشير، وموقف أشياح هذه المؤسسة منه، في الثلاثينات.. يقول التجاني، عن قصة فصله من المعهد العلمي عام 1932:
قالوا وأرجفت النفوس، وأوجفت هلعا، وهاج وماج قسور غابه
كفر ابن يوسف من شقي وأعتدى وبغى، ولست بعابئ أو آبه

ومهما يكن من أمر، ومهما أختلفت الروايات في قصة فصل التجاني من المعهد، فان فصله قد كان وصمة عار في جبين أولئك الأشياخ المتعجلين، ولقد صوّرهم، أحسن تصوير، مقال منسوب للتجاني، جرى تحت عنوان (حماة الأخلاق).. وقد نشر هذا المقال بمجلة النهضة عام 1932 وجاء فيه:
(تراهم يتظاهرون بالعلم، والورع، وليتهم فعلوا ذلك وكفونا شرهم، انهم أعداء كل جديد نافع، أنصار كل قديم بال، فمن أراد التفكير الحر، أو حتى الشبيه بالحر، عدّوه ملحدا، ومن ناقشهم فكرة، أو أبدى لهم رأيا، قالوا عنه: "أنه قليل أدب" يحكمون بهذه الأحكام القاسية، وهم عن عيوبهم غافلون، وفي ضلالهم يعمهون، وعن حقيقة أنفسهم لاهون..)
انتهى..
ان التجاني ليس متهما في دينه بحال من الأحوال، كما حاول أولئك الأشياخ أن يجدوا لهم عذرا في فصله، فشعر التجاني يعبّر عن ايمانه العميق، وظاهرة الشك، البادية في بعض قصائده، انما هي من شك المؤمن المفكّر.. وعلى كل حال فإن السبب الأساس في فصل التجاني، هو قصور تلك العقليات التي كانت تدير المعهد، وهي تكاد تكون نفس العقليات التي تدير الجامعة الإسلامية اليوم..