خاتمة:
لقد جعلنا من حادث الجامعة الإسلامية مناسبة ننبه فيها لخطر الهوس الديني.. فبينّا الأسباب، والعوامل التي تؤدي اليه.. ووضحنا أحداث العنف، والفتن التي ترتبت عليه.. وقد ظهر من متن الكتاب، أن ظاهرة الهوس الديني ظاهرة خطيرة، ومستشرية، وأنها بالفعل هدّدت، ولا زالت تهدد، أمن واستقرار الكثير من الشعوب.. والكل يعلم ما يجري في إيران الآن، ويعلم الفتنة الطائفية في مصر، والحادث المفجع الذي أدى اليه الهوس الديني باغتيال الرئيس أنور السادات، ولولا اللطف الإلهي، لقد يمكن أن يؤدي هذا الحادث، الى فتح مصر، والعالم العربي أجمعه، للفتن، والصراعات السياسية، والعسكرية، بصورة تعصف باستقرار المنطقة كلّها.. وقد بينّا ان بلادنا ليست ببعيدة عن خطر الهوس الديني، فهي يعيش فيها المسيحيون الى جانب المسلمين، وهي ذات تاريخ طويل في النفوذ الطائفي، ولا تزال الطائفية عندنا تطمع في السلطة.. كما أن بلادنا بها تنظيمات الهوس الديني، مثل تنظيم الأخوان المسلمين، وهي تنظيمات تجد الفرص واسعة لتضليل الأطفال والشباب، الذين تستغلهم في سعيها الى السلطة، وتثير بهم أعمال الشغب والعنف.. وهذه التنظيمات تستغل في نشاطها، كما بينّا، امكانيات الدولة الرسمية، خصوصا المساجد والمدارس.. وقد ذكرنا نماذج مما تم بالفعل من أحداث العنف والفتن التي تسبّب فيها الهوس الديني في بلادنا.. وبلادنا اليوم، ومنطقتنا العربية عامة، مواجهة بخطرين، هما: خطر الزحف الشيوعي الذي يستهدفها، وخطر الهوس الديني.. وعند التحليل النهائي فإن الهوس الديني هو، في الحقيقة، يخدم أغراض الزحف الشيوعي، بغير وعي منه، وذلك لأنه يشوّه الإسلام، والإسلام هو المذهبية الوحيدة التي تستطيع أن تنتصر على الفكر الماركسي وتخلّص العالم من شروره.. والهوس الديني يخدم أغراض الزحف الشيوعي، بما يخلقه من فوضى وعدم استقرار، تعين الشيوعية على بسط نفوذها..
ونحن نريد في هذه الخاتمة أن ننبه لخطر ظاهرة الهوس الديني قبل فوات الأوان، ووقوع الفتنة، وسنركّز هنا على كيفية محاربة هذه الظاهرة قبل استفحال أمرها.. فلمحاربة الهوس الديني، لا بد من معرفته، ومعرفة أساليبه، والأفكار الخاطئة والمنحرفة التي ينطلق منها، مثل مفهوم الجهاد والاستشهاد، وذلك لتصحيحها..
فالهوس الديني يعشعش في العقول والقلوب، وهو لا يمكن محاربته والقضاء عليه بصورة نهائية، الاّ إذا تمّ اقتلاعه منها، ولا يتم ذلك الاّ عن طريق التوعية بالفكر الديني السليم، ولذلك فان أهم وسائل محاربة الهوس الديني هي التوعية، التي لا بد من توفير كل الأسباب المعينة عليها.. ولا بد هنا من التحذير من الإتجاه الى القمع، فهو لا يقضي على الظاهرة وانما فقط يحولها من أن تكون ظاهرة علنية، لتصبح ظاهرة سرية، ولقد مارست تنظيمات الهوس الديني العمل السرّي، ولها تجربة فيه، وعلينا أن نستفيد من تجربة مصر في ذلك فلا نقع في الأخطاء التي وقعت فيها.. وهذا لا يعني بالطبع، ترك الحبل على الغارب، فلا بد من تطبيق القانون، وبصورة حاسمة لا تهاون فيها، خصوصا بالنسبة للفتن ذات الطابع الديني.. ونحن هنا نحب أن نتقدم ببعض المقترحات العملية التي تعين على تطويق الفتنة في مهدها، وتفتح الباب لإجتثاث الداء، بالحوار الموضوعي، الهادف، والتي يجب أن نأخذ بها فورا، وهي كما يلي:-
1) يجب أن يقف فورا، أي نشاط تنظيمي لأي جماعة من الجماعات الدينية تستغل فيه المساجد، مهما تلبّس هذا النشاط بلبوس الدين، أو خدمة المواطنين، فان ذلك من واجب الدولة لا التنظيمات الدينية أو السياسية.. وأن تمنع المساجد من أن تكون ميدانا للصراع بين الجماعات الدينية المختلفة، حتى ولو أخذ هذا الصراع مجرّد صورة الجدل، فإن المساجد الآن ليست مكانا للجدل.. على أن يقتصر الحديث في المساجد على القضايا الدينية المحددة خصوصا المواضيع المتعلّقة بالعبادات، وبالتربية الدينية السليمة التي تشيع روح السلام، وتنمّي أواصر الأخوة والمحبة بين المواطنين.
2) أن يقتصر الحديث في المساجد في الوقت الحاضر على الرجال الرسميين، الى أن يتم وضع الأسس والضوابط، وتترسّخ التقاليد والقيم، التي تجعل المسجد منبرا عاما، مفتوحا لكل المسلمين على قدم المساواة.. وحتى الرجال الرسميين، يجب أن يقيد حديثهم من على المنابر بضوابط محددة، تمنع أن يستغلوا هذه المنابر لغير أغراضها، أو أن يستغلّوا هم بخدمة أغراض جماعة معينة.
3) أن تطول يد القانون المساجد، بالصورة التي تصون حرمتها، وتمنعها من أن تكون مرتعا خصبا للخارجين على القانون، من دعاة الفتنة، أو أن تكون أوكارا لتفريخ كوادر الهوس الديني، ومدرسة لتنمية الحقد، والتدريب على العنف، وعلى السباب، والتنابز بالألفاظ النابية، وساقط القول، الى كل كل ذلك مما يجري بالمساجد الآن..
4) أي عمل يتم داخل المسجد، أو يستغل حرمته، ويخدم أغراض تنظيم معين أو يستغل ضد جماعة معينة من المسلمين، أو غير المسلمين، أو فيه أي صورة من صور الإنحراف برسالة المسجد يحاسب عليه القائم بالعمل ومن تقع عليهم مسئولية إدارة المسجد المعين..
5) لا بد أن تكون هنالك متابعة دقيقة من السياسيين، ومن الأجهزة السياسية، للتنفيذيين حتى لا تكون سياسة الدولة الرسمية في واد، والتنفيذ الفعلي في واد آخر، لا يستغل من يشغلون بعض المناصب، ممن ينتمون لبعض التنظيمات، او يتعاطفون معها، مناصبهم، وامكانات الدولة الرسمية، لخدمة تنظيمات بعينها، على حساب استقرار البلاد، وعلى حساب امنها.
6) الا تستغل المدارس، ومناهجها، لخدمة، اغراض التنظيمات بالصورة التى تجري الآن، بفتح المدارس لمعسكرات التنظيمات، واستغلال الجمعيات المدرسية، خصوصا جمعية التربية الاسلامية، لخدمة الاغراض التنظيمية.. او استغلال المناهج الدراسية للترويج لأفكار دينية خاطئة ومنحرفة تعين على الهوس الديني مثل موضوع الجهاد والاستشهاد، ونحب ان نلاحظ هنا مقررا في جميع المراحل، ويقدم بصورة منحرفة ومشوهة للإسلام، فمثلا في المرحلة الابتدائية، يُدرّس الجهاد من خلال صورة حوار بين المعلّم والتلميذ، ويتضح من هذا الحوار ان سبب الجهاد هو ان المسلمين لم يستطيعوا الصبر على اذى الكفّر، ولذلك قاتلوهم، واليك النص كما ورد في كتاب التلميذ:-
(التلميذ: وماذا فعل المسلمون بعد ذلك؟
المعلم: صبروا على جميع الاذى والظلم الذي لحقهم من الكفّار مدة من الزمن. ولكنهم لم يستطيعوا ان يصبروا أكثر من ذلك ومن هنا قامت بينهم الحروب التى عرفت شيئا عنها من دراستك السابقة) صفحة 176 من كتاب الصف السادس.. فاذا كانت هذه هى المفاهيم التى تُحشى بها ادمغة الاطفال عندنا، فما الذى يعصمهم من الهوس الديني.
7) ان تجد القضايا المتعلقة بالارهاب وبالعنف، خصوصا تلك التى تتم بين الجماعات المتصارعة دينيا وسياسيا، الاولوية في القضاء وان تجد الحسم الفوري، بالصورة التى تحول دون استشراء روح العنف بين الجماعات المختلفة، وبالصورة التى تحفظ الامن، وتجعل هيبة القانون مشعورا بها عند كل الجماعات، وعند كل الافراد، فإن حفظ الامن، واقامة حكم القانون، هو الواجب الاول، والحد الادنى، لأى نظام حكم سليم.
ولابد من استخدام كل الوسائل بما فيها الاعلام لتهيئة المناخ الصالح للحوار العلمي الموضوعي، وتعويد المواطنين على ان يتفقوا على اختلافهم دون ان يفسد الخلاف للود بينهم قضية.
هذا، والله هو المسئول ان يحفظ على بلادنا امنها واستقرارها، وان يجنّبها الفتن، وان يحفظ على شعبنا دينه، وما عرف عنه من اصائل الطبائع..
الاخوان الجمهوريون
امدرمان – السودان ص ب 1151
تلفون 56912