إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search

طوِّروَها حَتّى تَصيَر:
جَامِعَة أمْدُرمَان

عون الشريف:


ان مسئولية كل ما حدث بجامعة أم درمان الإسلامية من شغب، وعنف، ومن اضطراب، إداري، انما تقع، في المكان الأول، على عون الشريف، رئيس مجلس الإدارة.. فقد صدر بيان الإدارة الأول الذي تسبّب في الشغب (بتوجيه من السيد رئيس مجلس إدارة الجامعة الإسلامية ومن السيد المدير) على حد تعبير بيان عميد الطلاب.. فعون الشريف قد استحق، عن جدارة، لقب (راعي وحامي الهوس الديني ببلادنا)، ففي الفترة الطويلة التي قضاها مسئولا عن (الشئون الدينية)، أصبحت المساجد، أوكارا لتفريخ الهوس الديني، وتنمية الحقد، وبث روح الفرقة والشقاق.. وهي قد أصبحت مفتوحة، على مصراعيها، لتنظيم الأخوان المسلمين، يمارس فيها تجنيد الأطفال والشباب، وشحنهم بالعواطف المنحرفة، والأفكار المهووسة، ومن المساجد ظلّت تنطلق أعمال هذا التنظيم السياسية، التي يستغل فيها الشباب، والطلاب، والتي كثيرا ما هدّدت الأمن والإستقرار.. وبعض المساجد على عهد إدارة عون قد أصبحت متخصصة في السباب البذيء للصالحين من الرجال، الأحياء منهم والأموات، كما يتم في منابر المساجد التي يتولاها الوهابية.. ويبدو أن عون يريد أن ينقل هذه التجربة الناجحة في رعاية الهوس الديني، وسوء السلوك، والإنحراف عن القيّم الى الجامعة الإسلامية..
والغريب أن عون الشريف يحرص في كتاباته الإنشائية العائمة والمعمّمة، والمنمّقة، التي يزحم بها الجو، أن يظهر بمظهر التقدّم والعصرية، فهو يتحدث عن (الجمود) الذي أصاب المسلمين، فأفقدهم (ذاتيتهم).. ويتحدّث عن ضرورة الإجتهاد و(التجديد) و(تحرير الفكر الإسلامي) الى آخر هذه العبارات الجوفاء.. ومن أمثلة أقوال عون التي يحرص فيها على أن يظهر بالمظهر العصري، وبالحرص على الحرية، قوله من كتاب (في معركة التراث) صفحة (19):
(ومكان الدين بمعناه الخاص في الحضارة الإنسانية مكان متفرّد لا يكاد يجاوز حدود الأسس العامة المتفق عليها بين بني البشر ثم ينفتح الباب واسعا لحرية الفكر وحرية التطوّر ويكفي في هذا أن الدين يدعو إلى إباحة تأويل ظاهر النص بما يستقيم ومفهوم العقل)!!
فعون الذي وصل به الحرص على الظهور بمظهر الحرية والتطوّر، حدود الشواط بإخضاع الدين نفسه لمقتضيات العقل، هو نفس عون الشريف الذي وجّه بمنع الجمهوريين من التحدّث من منبر اتحاد طلاب الجامعة الإسلامية، وهو نفس عون الشريف الذي أصدر كتابا ضد الجمهوريين استغل فيه المال العام، واسم الدولة، وبتوجيه من خارج البلاد، وهو كتاب يحتوي على فتاوى التكفير، ويطالب بمصادرة الفكر، بنفس الصورة التي كانت عليها محاكم التفتيش الكنسية في القرون الوسطى!! راجع كتابنا: (الدين ونحن وعون الشريف)..
وليس غريبا على عون الشريف أن يعمل على حماية طلاب الجامعة الإسلامية، من الفكر الجمهوري، فهو قد سبق له العمل على حماية (العلماء) في (المؤتمر العالمي للدعوة الإسلامية) من الفكر الجمهوري!! وقد بلغ الأمر برجاله حد نزع كتب الفكر الجمهوري من أيدي (العلماء) الوافدين علينا من خارج البلاد، بصورة اساءت كثيرا لسمعة السودان، وأظهرت النظام فيه، بمظهر الدولة البوليسية التي تحجر حرية الفكر حتى على الضيوف الوافدين، وبهذه الصورة الهمجية!! هذه هي أفكار عون الشريف النظرية عن حرية الفكر، وهذه هي مواقفه العملية، هما على طرفي نقيض، والله تعالى يقول: (يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون، كبر مقتا عند الله، أن تقولوا ما لا تفعلون)..
لو كان عون الشريف وفيا لفكر الثورة، ولنهج الثورة، التي يحتل المناصب باسمها، لعلم أن مواجهة الفكر لا تكون الاّ بالفكر كما يقول الرئيس نميري.. فقد جاء في كتاب (النهج الإسلامي لماذا) قوله: (لن تجدي إتهامات العمالة ولن تفيد إتهامات الخيانة، ذلك أسهل الطريق لتجريد أنفسنا من مسئولية التصدي بالفكر للفكر، حتى ولو كان وافدا غريبا) ص (362).
ولو كان عون الشريف وفيا لمقتضيات منصبه، كمسئول عن الشئون الدينية، لعلم أن واجبه الدستوري، والقانوني، هو رعاية الكنائس، والمساجد، الى جانب كريم العقائد، دون الإنحياز لفريق من المسلمين، دون فريق، أو فريق من المسيحيين، دون فريق.
ولو كان عون الشريف وفيا لمنصبه، كرئيس لمجلس إدارة الجامعة الإسلامية، لما تخلّى عن واجبه التربوي والإداري، ولما دخل في الصراعات الطلابية، منحازا الى فريق ضد فريق، ولما سعى الى فرض وصاية غليظة وقاصرة، على الطلاب، ولما عمل على تعويق نشاطهم الثقافي المشروع..
ولكن عون الشريف ليس وفيا لما يعلنه هو نفسه من فكر تقدمي، ومن حرص على الحرية.. وهو ليس وفيا لفكر الثورة، ونهج الثورة، التي يحتل المناصب باسمها.. وهو ليس وفيا لمقتضيات منصبه كمسئول عن الشئون الدينية، أو كرئيس لمجلس إدارة الجامعة الإسلامية.. ورجل هذا هو شأنه، كيف ننتظر منه أن يكون وفيا لهذه الأرض، ولهذا الشعب الذي ينسب اليه؟!
ان كيد عون الشريف، المعلن والخفي، هو كيد خاسر، وأن الحق منتصر لا محالة (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون)..