أحكام الجنازة وما يتعلق بها في السـنة النبويـة
في هذا الكتيب يرد التعريف بالطريقة الصحيحة لتجهيز الميت، من غسل وتكفين.. وحسبما تواتر في السنة النبوية.. وذلك تصحيحا لكثير من التزيد الذي أدخلته العادة على هذه المراسيم.. غير أن هذا التعريف النظري لا يغني، بحال من الأحوال، عن المعرفة التطبيقية بهذه المراسيم، فلا بد أن يحرص الفرد على تطبيق هذه الخلفية النظرية في أقرب فرصة تتاح له، أو أن يشهدها، وخصوصا على يدي من يحسنون مزاولتها على منهاج السنة النبوية..
آداب الاحتضار
يستقبل بمن حضرته الوفاة القبلة، بما لا يشق عليه، أو يزعجه، وهو يعالج وجع الاحتضار.. ويلقن المحتضر الشهادة، فعن معاذ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من كان آخر كلامه "لا إله الا الله" دخل الجنة) وعن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لقنوا موتاكم "لا إله الا الله" فإنها تهدم ما قبلها من الخطايا) وتلقين الشهادة إنما هو بأن تذكر عند المحتضر، مرة أو مرات قليلة بصوت هادئ ليقولها، من غير أن يطلب منه قولها، أو يلح عليه كما يفعل بعض الناس من غير رعاية لحرمة الموقف، أو لما يجده المحتضر من سكرات الموت وهي لحظات شدة.. وكان النبي الكريم يقول، وهو على فراش الموت: (اللهم أعني على سكرات الموت) رواه الترمذي.. كما يطلب أن يذكر المحتضر بسعة رحمة الله وسعة الفضل الإلهي، فقد كان النبي الكريم يقول قبل موته: (لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بربه) وقد عاد النبي الكريم شابا وهو يحتضر فقال كيف تجدك؟ فقال أرجو الله وأخاف ذنوبي.. فقال النبي: (لا يجتمعان في قلب عبد في مثل هذا الموقف إلا أعطاه الله ما يرجوه وأمنه مما يخاف)..
ويجب لذلك عدم رفع الصوت، بالدعاء، وقراءة القرآن، في هذه اللحظات، كما يجب عدم مخاطبة المحتضر بطلب أي شيء إليه مهما قل، أو جل شأنه.. كأن يطلب اليه أن يدلي بشهادة، أو يوصي بوصية، أو يرضى عن أحد من الناس ما لم يبادر هو بذلك.. ويجب أن ترعى وصية المحتضر، بالشهادة عليها، وإنفاذها ما لم تتعارض مع الدين في شيء.. وتغمض عينا من قبض.. فعن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على أبي سلمة وقد شق بصره، فأغمضه ثم قال: (إن الروح إذا قبض تبعه البصر!!).. فضج ناس من أهله، فقال: (لا تدعو على أنفسكم إلا بخير، فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون) ثم قال: (اللهم اغفر لأبي سلمة، وارفع درجته في المهتدين، وأخلفه في عقبه في الغابرين، واغفر لنا وله يا رب العالمين، وافسح له في قبره، ونوره له) رواه مسلم.. وعن أم سلمة أن النبي قال: (إذا حضرتم المريض أو الميت فقولوا خيرا فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون) فنهى بذلك عن الندب، والنياحة، وسائر مظاهر الجزع التي يبديها الناس عند موت ذويهم، ودعا الى الصبر والاحتساب والاسترجاع، والدعاء للميت.. فعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يقول الله تعالى ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا، ثم احتسبه، إلا الجنة) رواه البخاري.. وعن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم عاد سعد بن عبادة ومعه عبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاض وعبد الله بن مسعود فبكى النبي، فلما رأى القوم بكاءه بكوا، فقال: (ألا تسمعون!! أن الله لا يعذب بدمع العين، ولا بحزن القلب، ولكن يعذب بهذا أو يرحم) وأشار إلى لسانه.. فمن آداب الاحتضار أن توفر للمحتضر كل أسباب الهدوء، فلا يرفع عنده الصوت، ولا تظهر أمامه مظاهر الجزع، وأن يصطنع عنده الوقار، والورع.. وحسن التوجه وأن يدعي له، ويستغفر له.. فهي لحظات شدة على المحتضر ولحظات عبرة لحاضره، فيها ينتقل من حياته الدنيا، ليكون عند رب، في حياته الأخرى.. ويجب ألا تكون هناك ثرثرة عند المحتضر بذكر أمور الدنيا على الإطلاق.. فيجب رعاية ذكراه برعاية حرمة آخر لحظات دنياه..