الإسراع بتجهيز الجنازة ودفنها
يجب الإسراع بتجهيز الجنازة وتشييعها، ودفنها حفاظا على حرمة النفس الميتة من التعرض لما يسوؤها بسبب بقائها زمنا طويلا قبل دفنها، واتقاء لطول تحسر آل الميت عليه، وهو بين ظهرانيهم، وافضاء عاجلا به إلى مثوى حياته الأخرى التي دخل فيها عند قبضه ومن قبل ذلك، عملا بالسنة النبوية.. حين مرض طلحة بن البراء بن عازب فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده، فقال: إني لا أرى طلحة إلا قد حدث فيه الموت، فآذنوني به، وعجلوا به، فإنه لا ينبغي لجيفة مسلم أن تحبس بين ظهراني أهله!!) ولذلك يطلب في الدين تجهيز الميت حيث قبض، في البلد الذي قبض فيه.. كما يطلب دفنه في نفس البلد، بل وفي أقرب المقابر إلى مكان تجهيزه وذلك بسبيل من الاقتداء بسنة النبي الكريم وسنة الأنبياء الكرام.. فقد روى ابن هشام في سيرته أنه لما فرغ من جهاز النبي اختلف المسلمون في دفنه، فقال أبوبكر: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما قبض نبي إلا دفن حيث يقبض)، فرفع فراش النبي الذي توفي عليه، فحفر له تحته!! وهنا يحسن أن نشير الى عادة (جاهلية) اعتادها المسلمون اليوم، يقدمون فيها حظوظ أنفسهم على اعتبارات موتاهم، فيخرجون بها عن السنة خروجا صريحا، وهي نقل جثمان ميتهم من محل موته حيث ينبغي دفنه في البلد الأجنبي لدفنه في أرض الوطن!! فهذه العادة، بجانب تفويتها حكمة الإسراع بتشييع الميت، ودفنه، إنما تعرض حرمة جسد الميت للانتهاك من غير ضرورة، وذلك لما يقتضيه (التحنيط) من مساس ببعض أجزائه.. والأولى أن يدفن موتانا في البلد الأجنبي حيث قبضوا ما دام فيه مسلمون يتولون جهازه، أو ما دام لدينا سفارات بالخارج يمكن أن يوكل لها هذا العمل الديني العظيم..
غسل الجنازة
يوضع الميت على (عنقريب) غير مفروش، في حجرة يمكن إغلاق بابها ونوافذها ويطلب أن يقتصر حضور الغسيل والتكفين على أقل قدر ممكن من الناس وهم العدد الضروري لمباشرة الغسل والتكفين، وأن يترك إنجاز هذه المهام لمن يحسنها ومن يساعدونه حتى لا تكثر الاقتراحات فيكثر الحديث الذي يفسد وقار وحرمة هذا المشهد، وهذه اللحظات ويتولى ذلك الأقارب وذوو الفضل والدين فقد ورد في الحديث: (ليله أقربكم إن كان يعلم فإن لم يكن يعلم فمن ترون عنده حظا من ورع وأمانة)..
ويجرد الميت من ثيابه، بعد أن تستر عورته بفوطة طاهرة وذلك لوجوب ستر عورة الميت في السنة النبوية، فقد جاء فيها (من غسل ميتا، فكتم عليه غفر الله له أربعين مرة) فلا يحل، بذلك لغاسل، ولا لمن حضر الغسل، أن ينظر إلى عورة الميت، أو يلمسها، ويكفي عند الغسل أن يفاض على موضعها بالماء من تحت الثوب الساتر لها.. يتولى الغسل شخص واحد في وقت واحد، يساعده آخرون في صب الماء وتقليب الميت، والوضوء شرط في غسل الميت، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في غسل ابنته للغاسلات: (أبدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها).. ويبدأ الغاسل بقوله باسم الله على سنة رسول الله ثم يشرع في الغسل.. ويغسل الميت ثلاثا، إذ السنة فيه الوتر، لما روته أم عقبة (دخل علينا النبي صلى الله عليه وسلم ونحن نغسل ابنته، فقال: اغسلنها وترا: ثلاثا أو خمسا أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك).. ففي الغسلة الأولى الوضوء ثلاثا ثلاثا لكل أعضاء الوضوء ما عدا القدمين فتؤخران، ثم يفاض الماء على كل الجسد، ثم يصب الماء مع الدلك الرفيق لكل الجسد مع تقديم الأعالي على الأسافل، والميامن على المياسر، ومع تقليب الميت لغسل شقه الأيمن، وشقه الأيسر، وظهره. والغسلة الثانية بالصابون، وصب الماء المتوالي بقصد التنظيف، وإزالة الصابون..
والغسلة الثالثة تبدأ بالوضوء ثلاثا ثلاثا كما جرى في الغسلة الأولى.. ثم يعمم الماء على كل الجسد، مع الدلك وتقديم الأعالي على الأسافل، والميامن على المياسر وبذلك يتم للميت غسله.. ويطلق البخور أثناء الغسل والتكفين ويصطنع الغاسل الوقار، ويستشعر الورع أثناء الغسل.. ولا يجوز للرجل غسل المرأة إلا أن تكون زوجته، كما لا يجوز للمرأة غسل الرجل إلا أن يكون زوجها. فقد روي أن النبي الكريم قال لعائشة: (لو مت قبلي لغسلتك) ومن هنا أخذ جمهور العلماء أن للرجل أن يغسل زوجته كما روي أن أسماء بنت عميس غسلت أبا بكر، وقالت عائشة عند غسل النبي الكريم (لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما غسله إلا نساؤه!!) هذا ويعامل الطفل، إذا استهل صارخا، ثم توفى، نفس معاملة الكبار من حيث الغسل والتكفين والصلاة والدفن وأما السقط فإنه يدفن تحت جدار المنزل بعد أن يلف في غلالة قديمة..