ما تفسير الإسلام للمعجزة ؟
إن الوجود، في جوهره، روحي.. والمادة مظهره، فإذا تبعت الحوادث المظهر أصبح أمرها عادياً، ولكنها إذا تبعت الجوهر ــــــ وهو الروح ــــ ظهر عندنا نحن ما نسميه معجزة.. فمثلاً الجسم، وهو مظهر الروح، يخضع للعلة، والموت، ولكن الروح غير خاضع لأيهما.. فإذا كان هناك رجل هو من القوة بحيث يتصرف فيما وراء المادة، وأبرز حكم الروح على الجسد، أبراه من العلة في لحظة، أو أقامه من الموت، بعد الموت.. هذه معجزة.
إلى أي حد نحن مخيرون ، و إلى أي حد نحن مسخرون ؟
الإجابة على هذا السؤال تحتاج لتفصيل وقد وردت في كتابنا "الرسالة الثانية من الإسلام" بطريقة تغنيك إذا رجعت إليها.
هل تصلح نظرية العقاب و الثواب في يوم الحساب أساساً للأخلاق؟
أساساً للأخلاق تصلح.. ولكن ليست لقمة الأخلاق.. بل إنه، في الحق، ليس هناك أساس للأخلاق غيرها، لأن الإنسان بطبعه لا يفعل أمراً، ولا يترك، إلا بحوافز الكسب، والخسارة. .
ولكن عندما يتسامى الإنسان فإنه يجد حافز فعل الخير في الخير نفسه، ولا يكون التسامي إلا عن بداية أساسها حافز الثواب، والعقاب.. وبخاصة في يوم الحساب.. لأن ذلك يحمل معنى المراقبة الدقيقة على فعل الخير، وفعل الشر، حتى حين يكون الفاعل في مأمن من رؤية السلطة الزمنية، لأن الذي يثيب، ويعاقب، يوم الحساب، هو المطلع على الضمير المغيب ـ "يعلم خائنة الأعين، وما تخفي الصدور"..
لماذا يمنع الله التفكير في ذاته ؟
لأن الفكر لا يعمل إلا في منطقة الثنائية، فبضدها تتميز عنده الأشياء، ـ وليس لذات الله ضد ـ فليس للفكر فيه مجال ـ وإنما التفكر في مخلوقاته.. ولقد قال تعالى ــ "ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون" وقال: "سبحان الذي خلق الأزواج كلها، مما تنبت الأرض، ومن أنفسهم، ومما لا يعلمون".
وأما ذاته فلا تحيطها العبارة، حتى ولا عبارة القرآن.. وأقرب شيء إلى التعبير عنها قوله تعالى "ليس كمثله شيء" فذاته وحدة مطلقة، تعيي الفكر، وتسوقه إلى الضلال.. هذا، إذا لم يهده الضلال إلى العجز..
فهو، إذن، إنما منع عن التفكير في ذاته لأن التفكير فيها يضل المفكر.
قال المعصوم "تفكروا في مخلوقات الله، ولا تفكروا في ذاته، فتضلوا"..
هل يقول الإسلام بخلود الروح ، و هل الإيمان بخلود الروح ضروري للإيمان بوجود الله ، أم العكس هو الصحيح ؟
الإسلام عنده أن جميع الأشياء، من أدقها إلى أعظمها، جمادها، وحيها، كل منها، ذو شكل هرمي، له قمة، وله قاعدة ــــــ القمة تمثل الروح، والقاعدة تمثل الجسد ــــــــ والاختلاف بين القاعدة والقمة اختلاف مقدار. والقاعدة فانية ـــــــ متحركة في تطور مستمر، تطلب القمة ـــــــ والقمة ليست باقية على صورة واحدة، ولكنها متحركة، في تطور مستمر، تطلب نقطة مركز الوجود، وهي الله.. فالخالد في الإسلام ليس معناه الذي لا يتغير على الإطلاق، وإنما هو الذي يتغير، أو قل، يفنى ببطء أكثر من الفاني، والفاني هو الذي يتغير بسرعة سريعة.. قال تعالى "كل من عليها فان، ويبقى وجه ربك، ذو الجلال، والإكرام.." يبقى، البقاء النسبي، الوجه الذي يلي الله من الأشياء ــــــ وهو قمة هرم كل شيء ــــــ ويبقى، البقاء المطلق، وجه الله المطلق، وتلك الذات المطلقة .
فالإيمان بخلود الروح، بهذه الصورة ضروري للإيمان بوجود الله، لأن معرفته من أصول المعرفة، فالإيمان به، إذن، من أصول العقيدة ــــــ والعبارة التي أوردتها "أم العكس هو الصحيح؟" تعني أن الإيمان بالله ضروري للإيمان بخلود الروح ــــــ وهذا بالطبع أصح من أن يكون الإيمان بخلود الروح ضرورياً للإيمان بوجود الله، ولكن الإيمان بخلود الروح أسهل على المبتدئ من الإيمان بالله، ولذلك فهو يكون سابقاً للإيمان بالله، وهو إنما كان أسهل لأن الأحلام تعينه، وليس للأحلام بالله تعلق.. فالكبار يستدلون بوجود الله على خلقه، والصغار يستدلون بوجود خلق الله على وجود الله.. والقاعدة لكليهما قوله تعالى: "سنريهم آياتنا في الآفاق، وفي أنفسهم، حتى يتبين لهم أنه الحق.. أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد؟".
هل يفصل الإسلام فصلاً قاسياً بين الجسد والروح؟ إذا كانت الإجابة نعم
(أ) كيف نفسر الفعل المتبادل بين الجسم والعقل
(ب) ما هي النتائج الأخلاقية، والتوحيدية، المترتبة على هذا الفصل؟
الإسلام لا يفصل بين الأشياء الظاهرة، المغايرة لبعضها البعض، لأنه دين التوحيد للمظاهر المختلفة في كلٍ واحد متناسق، وعنده أن الاختلاف بين الجسد والروح، هو الاختلاف الذي يكون بين القاعدة والقمة للشيء الواحد ــ إنما هو اختلاف مقدار، لا اختلاف نوع ــ فالجسد روح في حالة من الاهتزاز تتأثر بها حواسنا ــــــ والروح مادة في حالة من الاهتزاز لا تتأثر بها حواسنا، وعمل العبادة، في العابد هو أن يرفع ذبذبة جسده الغليظ، من كونها بطيئة، ثقيلة، لتصبح سريعة، خفيفة.. ويصبح، بذلك، الجسد روحانياً.. وتصير الظلمة نوراً، والجهل علماً، والقيد حرية.
ما مكان الإنسان في الكون ؟ أهو سيد المخلوقات؟
نعم !! هو خليفة الله على الوجود العلوي، والسفلي.. المنظور منه، وغير المنظور.. هو بين الله، في إطلاقه، وبين جميع خلقه ــ "وإذ قال ربك للملائكة إني جاعلٌ في الأرض خليفة" ثم خلق آدم على صورته، ليقوم بتدبير مملكته، وفق مرضاته.
أين توجد النار والجنة؟ في زمان غير زماننا، ومكان غير عالمنا؟ أهما البعد الرابع؟
القاعدة التوحيدية تقول أنه ما من شيء كان، أو يكون، إلا هو كائن اليوم، وعلى هذا فإن الجنة والنار موجودتان الآن، ولكن بصورة مختلطة بعضها مع بعض، وسيجيء يوم يكون وجود النار فيه صرفاً، ووجود الجنة صرفاً ــــــ ولا أعني الصرافة المطلقة، فإن هذه لا تكون إلا عند الذات المطلقة ـــ وهيهات!! ووجود الجنة، بجانب، وجود النار، يمثله، في حياتنا الحاضرة، لحظات النعيم، التي يلقاها أحدنا تارةً، ولحظات الشقاء، التي يلقاها، تارةً أخرى.
وسيجيء يوم يصير فيه النعيم بلا شقاء، إلا قليلاً، إلى جانب، فيسمى الجنة.. ويصير فيه الشقاء بلا نعيم، إلا قليلاً، إلى جانب، فيسمى النار.. وهذا في زمان غير زماننا الحاضر، وفي مكان غير مكاننا الحاضر.. أما الزمان فعندما تنتهي دورة الوجود الحاضرة، وتبدأ دورة للوجود جديدة ـــ فإن دورة الوجود الحاضرة بدأت يوم انفصلت كواكب النظام الشمسي من سحابة بخار الماء التي كانت تمثل الشمس الحاضرة، وبناتها، التي تسمى بالكواكب السيارة، والتي وردت عنها، في القرآن، الحكاية بقوله تعالى: "أولم ير الذين كفروا أن السموات، والأرض، كانتا رتقاً، ففتقناهما، وجعلنا من الماء كل شيء حي.. أفلا يؤمنون؟" وهي ستنتهي يوم يعود هذا الفتق إلى الرتق مرة ثانية، "كما بدأنا أول خلق نعيده"، فإذا عادت الأجرام إلى الرتق بعد الفتق فقد انتهت دورة من دورات الوجود، وبدأت دورة، ويومئذ يبدأ زمان الجنة المنمازة عن النار ـــ وتبدأ الأرض الجديدة، "وهي الشمس، وبناتها في كتلة واحدة" وتكون الشمس قد بردت، وأصبحت، في قشرتها، صالحة لنشأة الحياة الجديدة عليها، وفي داخلها، لا تزال تلتهب، فتكون، على ذلك مكان الجنة ظاهر الأرض الجديدة، ومكان النار باطنها.. قال تعالى عن يومئذ "يوم تبدل الأرض غير الأرض، والسموات، وبرزوا لله، الواحد، القهار"..
وتنبت الحياة من جديد، في دورتها الثانية، من باطن الأرض على ظاهرها، كما تنبت البذرة، فكأن الناس يخرجون بذلك من النار "باطن الأرض الجديدة" إلى الجنة "ظاهر الأرض الجديدة" وإلى ذلك الإشارة في قوله تعالى "وإن منكم إلا واردها، كان على ربك حتماً مقضيا"..
وانمياز الجنة عن النار يحدث نموذج منه على ظهر أرضنا الحاضرة، وكأنه صورة مصغرة لما يكون عليه الأمر في اليوم الآخر. فإنه من المقرر في الإسلام أن جنة الأرض تتحقق قريباً بمجيء المسيح، حيث يملأ الأرض عدلاً، كما ملئت جوراً، كما هو موعود المعصوم، وبعدها يتحقق قوله تعالى "وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده، وأورثنا الأرض، نتبوأ من الجنة حيث نشاء، فنعم أجر العاملين" ويوم يتحقق تعمير أرضنا هذه بهذه الصورة، تختفي الحشرات، والهوام، والأفاعي، في باطنها، فتكون صورة لأهل النار، في النار، في اليوم الأكبر، في الأرض الكبرى، التي تحدثنا عنها..
والجنة والنار، ليستا البعد الرابع، لأنهما مكان، ولا يتسع المقام هنا للحديث عن البعد الرابع، ويكفي أن نقول أنه ليس الزمن، وإنما هو الله. وشرح ذلك يطول، ويكفي أيضاً أن نقول، في هذا المقام، أنه متضمن في هذه الآية الكريمة "إن المتقين في جناتٍ، ونهر، في مقعد صدقٍ، عند مليك مقتدر"..