هل شجرة التفاح التي أكل منها آدم و حواء في الجنة هي شجرة المعرفة ـ معرفة الخير والشر و هل يعني هذا أن المعرفة خطيئة؟
هذه الشجرة يمكن أن تكون أي شجرة.. المهم أنه قد وقع عليها التحريم، والتحريم حكم شرعي، فليس هناك شيء هو في عينه حرام، وعندما خالف آدم الأمر بالتحريم إنما أخطأ لأنه اختار إرادته هو عن أمر ربه، ولذلك فقد غوى.. فعندما كان آدم طائعاً لله لم يكن يعرف الشر، فهو في الخير المطلق، وعندما اختار نفسه عن ربه تورط في الشر.. وسميت الشجرة التي أكل منها شجرة معرفة الخير والشر ــ وعندنا أن الشجرة التي أكل منها آدم هي شجرة التين، فإن شجرة التين، حسياً، ترمز إلى النفس الأمارة.. وترمز إلى الزوجة ــ حواء ــ ولذلك فإن المعصية، بالأكل منها، تداعت إلى اتصال آدم بحواء جنسياً، قبل أن يؤذن له، فتكون له، بذلك الإذن، زوجاً شرعية، حلالاً طيبة.
وإذن فالمعرفة ليست خطيئة، وإنما الخطيئة، الجهل، وهو هنا يتمثل في مخالفة أمر الله ــ "وعصى آدم ربه، فغوى".
ما دور الكشف في التوصل إلى وجود الله؟
الكشف معناه ظهور الحقائق للعقل الواعي، من العقل الباطن، ظهور تجربة، وذوق، وهو، من ثم، ظهور يقين لا يدركه الشك.. وهو لا يتأتى إلا عن ممارسة عملية للعبادة، في طور مجود تجويداً كبيراً في العمل بالشريعة ــ وإلى الكشف وردت الإشارة في القرآن "واتقوا الله، ويعلمكم الله".. "واتقوا الله" تعني اعملوا بالشريعة بإخلاص، وتجويد، "ويعلمكم الله" تعني يعلمكم الحقيقة ــ والحقيقة هي معرفة أسرار الإلوهية.
فدور الكشف في التوصل إلى وجود الله، وإلى معرفة الله، هو الدور الأساسي، والأصلي وإن شئت فقل الوحيد.
بعض السور تشير إلى أن الله يسمع، ويرى، ويتكلم، ويستوي على عرش. ما تفسير ذلك؟
أولاً، كلمة الله تطلق في القرآن، في المعنى القريب، على الإنسان الكامل، وفي المعنى البعيد على الله، تبارك وتعالى في إطلاقه.. ولكن الله، تبارك وتعالى، في إطلاقه، فوق الأسماء، والصفات ــ هو منزه عن الأسماء ــ ولكنه تنزل إلى مرتبة الاسم، فسمى نفسه "الله"، وتعلقت به جميع الصفات، وجسده الإنسان الكامل.. فأسماء الله الحسنى كلها أسماء، وصفات للإنسان الكامل، الذي اكتملت فيه الصورة الإلهية في عبارة "إن الله خلق آدم على صورته".. وهي لا حظ لها من الذات المطلقة إلا الإشارة.. وفي هذا المستوى فإن الله، في إطلاقه، يسمع بذاته، لا بحاسة، ويرى بذاته، لا بحاسة، ويستوي على العرش بلا كيفية يمكن تصورها. لأن كل شيء يتعلق بالذات الصرفة فهو فوق التصور، كما سبقت إلى ذلك الإشارة.
وأما الله بالمعنى القريب ــ الإنسان الكامل ــ فهو يسمع بذاته، ويرى بذاته أيضاً، لا بأذن، وعين، لأن كل حاسة منه قد صارت كله، فهو، كله، في أي جزء منه ــــ فابن الفارض كان يقول:
وصرت موسى زمــاني * مذ صار بعضي كلي
وهذه حالة تحققها قمة التوحيد، لأن قمة التوحيد أن يكون الموحِد "بكسر الحاء" وحدة.
ما علاقة الخالق بمخلوقاته في الإسلام ، و بالذات ، علاقته بالإنسان ؟
ليس في الوجود إلا الله.. والمخلوقات هي مظاهر قدرته ــ هي قدرته مجسدة ــ وقدرته ليست غيره، وإنما هي، عند التناهي، ذاته.. فالمخلوقات هي الله.. والإنسان طليعتها في ذلك، في اعتبار العروج إلى الله من درجات البعد، بين القدرة، والإرادة، والعلم، والذات.. فالمخلوقات هي الله، ولكن الله ليس المخلوقات.
هل لله إرادة وهل تفسر الخلق بأنه عملية غائية، أي تجسيد لغاية في ضمير الله؟
الإجابة على هذا السؤال كلها متضمنة في الأجوبة القريبة الماضية .
ما الصعوبات التي تحف الفصل بين الله و مخلوقاته؟
هذه الصعوبات كثيرة، ولكنها، في جملتها، هي مقام التعدد من الوحدة.. ووظيفة التوحيد، الذي شعاره عندنا في الإسلام "لا إله إلا الله" إنما هي إعطاء الموحد النظرة الثاقبة، الدقيقة، التي يميز بها بين "الله ومخلوقاته"، حتى يعيش مع الله، بالحقيقة، ومع خلقه، بالشريعة.
إلى أي حد تعتقد أن إله أرسطو يشبه الله في الإسلام ؟
رأي أرسطو عن الله يتفق في جملته مع الإسلام، ويختلف في دقائق التفصيل ــ
في كتاب "السياسة" الشهير يعرف أرسطو القانون بأنه "العقل الذي لم يتأثر بالرغبة" ويقول "إن الذي يأمر بحكم القانون قد يسوقه ذلك إلى أن يأمر بحكم الإله، أو العقل وحده، ولكن الذي يأمر بحكم الإنسان يضيف عنصراً من عناصر الحيوان، لأن الرغبة حيوان وحشي، والهوى يفسد عقول الحكام حتى ولو كانوا أفضل الناس" فهذا القول يحكي فكر أرسطو عن الله "العقل الذي لم يتأثر برغبة" يعني العدالة المطلقة، في مقابل العدالة النسبية ــ العدالة الإلهية، في مقابل العدالة الإنسانية ــ وهو قول يحكي، في جملته، رأي الإسلام عن الله.. ثم أن أرسطو يرى أن الله هو المحرك الأول، الذي تنتهي عنده الحركة.. وأغلب الظن عندي أن أرسطو يرى أن المحرك الأول الذي حرك الأشياء قد أودع فيها حركتها ــ حركة تؤدي إلى حركة، بقوانين منضبطة ــ وهذا ما يعطيه الفكر. وقد كان الفكر أبرز خصائص أرسطو. ولكن الله في الإسلام وراء الفكر.. والذي يؤدي إليه الكشف ــ وهو موضوع سؤالك نمرة 12 ــ هو أن ليس هناك، في الحقيقة، سبب يؤدي إلى سبب، وإنما هو ترتيب تعاقبي يستعد به المحل لتلقي الفيض الإلهي، في كل لحظة، فتظهر الحركة، بعد استعداد المحل لها، من عند الله ــ فالنار، مثلاً لا تحرق لمجرد وجودها، وإنما تحرق حين يرد الإذن الإلهي بالإحراق، وكل ما هناك، أن وجود النار دليل على استعداد المحل لورود الإذن الإلهي بصدور الحركة المقبلة، وهي الإحراق، لمن عرض يده لنار، مثلاً.. هذا التفصيل هو من دقائق التوحيد في الإسلام، وليس لأرسطو فيه قدم، وهو يمثل اختلاف فكرة أرسطو عن الله، عن فكرة الإسلام.