عمود التوحيد
الغرابة تجيء في التوحيد .. دائما وابدا .. لأن النفس لا تألف التوحيد .. وإنما تألف التعدد .. لأن النفس وسائلها للعالم الخارجي الحواس .. والحواس دائما تعطينا التعدد .. التوحيد هو الغريب عندنا، ومن أجل ذلك كانت دعوة الانبياء الي ربنا، من لدن آدم وإلى محمد، ((لا إله إلاّ الله)) وحّدوا الله .. اختلفوا ما اختلفوا في شرائعهم، لكن التوحيد هو العنصر الثابت في الرسالات كلها .. والعبارة النبوية .. خير ما جئت به أنا والنبيون من قبلي ((لا إله إلاّ الله)) .. قال ((بدأ الدين غريبا)) أهو غرابته شفتوها .. وسيعود غريبا كما بدأ.. يعود برضه برفع عمود التوحيد بمستوي جديد دائما .. الأنبياء من لدن آدم رفعوا عمود التوحيد بحسب الطاقة البشرية لأن الله من حيث هو موحد، وما محتاج لتوحيد، لكن نحن البشر البنوحد .. وكل مرة توحيده بيرفع، ويرتفع، ويتسع ويتعمق في النفس البشرية .. كلما جربت التجارب الطويلة .. كأنما الإنسان يستطيع أن يتصور أن عمود التوحيد زي ساري المولد .. يمكن أن يكون مترين، أو ثلاثة أمتار، أو أربعة أمتار، كل مرة مرتفع للسماء .. لأن الأرض تحاول أن تتصل بالسماء .. ينزل علينا الخير في الوحي والمعارف في أرضنا ليرفعنا من حيوانيتنا لنرتفع لربنا بالتوحيد باستمرار .. دي موش صورة تشبيه .. دي صورة حقيقية .. باستمرار عموده مرتفع لفوق .. وزي ساري المولد برضه يمكن أن تتصور أنه كلما ارتفع عمود التوحيد .. كلما نزلت منه الحبال البتثبت الساري بصوره أبعد مما كانت .. اذا كان الساري ارتفاعه ثلاثة أمتار، الحبال البتثبته بتكون قريبة منه – متر حوله - إذا كان ارتفاعه عشرة أمتار، لعشرين متر، لستين متر، كلما تتصور ارتفاعه كلما حباله مشت بعيد ليثبت ..
حباله دي التشاريع .. عمود التوحيد دائما واحد .. ومرتفع للقمة وماشي .. التشاريع تنزل منه تثبته .. نفس العبارة القرآنية تقول .. ((إليه يصعد الكلم الطيب)) اللي هي ((لا إله إلاّ الله)) .. ((والعمل الصالح يرفعه)) العمل الصالح تشريع العبادات، والمعاملات .. كأنه بتقول كل مرة عمود التوحيد بيرتفع لربنا. والعمل فيه، من عبادات، ومن معاملات – من شريعة – يعني، يرفعه، يثبته: ((إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه))
التوحيد وآيات الآفاق
القاعدة في أن التوحيد باستمرار ماشي لقدام هي الآية .. ربنا يقول: ((سنريهم آياتنا في الآفاق، وفي أنفسهم حتي يتبين لهم أنه الحق، أولم يكف بربك أنه علي كل شيء شهيد))
((سنريهم آياتنا في الآفاق، وفي أنفسهم حتي يتبين لهم أنه الحق)) أنه الله هو الحق .. ((أولم يكف بربك أنه علي كل شيء شهيد))، هنا: ((سنريهم آياتنا في الآفاق)) .. آيات الآفاق يعني الشمس، والقمر، والكواكب، والنجوم، والأرض اللي نحن بنعيش فيها، وحقائق ما فيها .. وكل مرة ما نتلقاه من العلم في آيات الآفاق، ونحن بنعبد الله، ومتوجهين إلى الله، يعمق فينا التوحيد، كأنما النفس البشرية عندها نسخة في الخارج، ونسخة في الداخل. النسخة اللى في الخارج هي ظاهرها، والنسخة اللى في الداخل هي باطنها، ما تعرفه أنت من آيات الآفاق يعرفك بنفسك، في حقيقة نفسك، لذلك الشاعر العارف قال:-
وتزعم أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر
هذه القاعدة في التوحيد هي أن الموحدين بالله، كلما عرفوا من أسرار خلقه في الخارج، عرفوا أسرار فعله، فوحّدوه في مستوي الفعل، ثم ارتفعوا إلى مستوي الصفة، ومستوي الاسم، لغاية ما يجوا لتوحيد الذات. دي كلها ترقيات من العبادة في الظاهر، وملاحظة ((وفي الأرض آيات للموقنين، وفي أنفسكم، أفلا تبصرون)) باستمرار الصورة دي .. دا عمل التوحيد يمشي بالمدي دا. كلما الناس عبدوا الله، وعرفوا من آيات الآفاق أكثر، يمكنهم أن يحققوا توحيد أكبر.
ديننا دين عمل
والناس ماشين لي الله، كل الناس، ((يا أيها الإنسان إنك كادح الي ربك كدحا فملاقيه)) دا أمر غير مكذوب، وعد غير مكذوب. ((يا أيها الإنسان ..)) من حيث هو إنسان .. ((إنك كادح الي ربك كدحا فملاقيه))، أردت أو لم ترد .. لأنه ربنا فرض الطاعة، والعبودية علي الناس ((إن كل من في السموات والأرض الا آتي الرحمن عبدا * لقد أحصاهم وعدهم عدا * وكلهم آتيه يوم القيامة فردا)) . الناس سايرين لي الله بالتوحيد، هنا دي غرابة الدين. غرابة الدين أنه يعود بالتوحيد مرة ثانية، ما يعود بدراسة الفقه، ولا بدراسة الشريعة، ما بعود بالتبحر في المسائل دي، في القراءة .. بجي بالعمل. دينا أصله دين عمل. نبينا قال: ((من عمل بما علم، أورثه الله علم ما لم يعلم))، وربنا قال:- ((واتقوا الله، ويعلمكم الله )) وقال ((والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا، وإن الله لمع المحسنين)) دينا دين عمل. كلما الناس عملوا بما علموا، أورثهم الله علم ما لم يعلموا .. من عمل بالشريعة، أورثه الله الحقيقة .. والشريعة طريق، والحقيقة حال: الحقيقة معرفة أسرار الله، الشريعة زي الشجرة، والحقيقة زي الثمرة، الحقيقة هي معرفة أسرار الألوهية اللي بتوجب علي العبد أن يتأدب مع الألوهية بما تستحق، ليكون عبدا.